الأربعاء، 5 أغسطس 2020

في تناقضات إقتصاد المشروع الحضاري



 نشر بتاريخ: 28 تشرين1/أكتوير 2018



تبني الانقلابيون في السودان منذ العام 1989 م طريق التحرير الاقتصادي ، وتدرجوا في تطبيقه إلي أن تم إعلانه في فبراير من العام 1992م كمنهج إقتصادي في إدارة الدولة في تقليد أعمي وتطبيق مشوه لإدارة الاقتصاد في الغرب،متجاهلين لحقائق هامة دفعت دول الغرب لتبني ذاك الطريق إقتصاديا ،وأهم هذه الحقائق لاتتوفر في حالة السودان، لا في وقت عام الانقلاب المشؤوم ولا حتي الان ، وهي أن دخول الألة في عمليات الانتاج في الغرب وتحول تلك الدول لدول صناعية هو ما فتح الباب لتبني مسار الاقتصاد الرأسمالي حيث خلقت الألة الصناعية الضخمة وفرة في الانتاجية (العرض) ساهمت هذه الوفرة في أن يتم التحكم في السعر لمصلحة الطلب والعرض معا أو مايعرف بتوازن السوق؛ مع إعتماد أليات المنافسة الحرة بين المنتجين في تلك الدول ، الشي الذي إنعكس إيجابا علي السعر والجودة نسبيا لمصلحة مستهلك تلك الدول ،كما أن إتفاقيات التجارة الحرة سهلت علي منتجي الدول الصناعية التصدير لأسواق خارجية بتكلفة أقل، ويسرت لهم إستجلاب المواد الخام أينما وجدت ،فتوفر لمصانع الرأسمالية الامداد المنتظم وبأسعار زهيدة ،مما راكم أرباحها الخاصة، ولم يرجع الا القليل من هذه الارباح دعما لخدمات عامة المستهلكين وعمليات حماية البيئة رغما عن التحذير العالمي بمخاطر الإنبعاث الحراري وتغير المناخ؛وقد خلق تطبيق المنهج الرأسمالي علي المستوي العالمي فجوة كبيرة بين الأغنياء والفقراء ؛ حيث قدرت منظمة أوكسفام البريطانية أن ثروات ١% من أغنياء العالم تعادل ثروات بقية مايمتلكه كل العالم مجتمعة ؛هذا غير الفجوات التي تتسع يوما بعد يوم داخل المجتمعات الرأسمالية نفسها ؛و رغما عن أنها في الحد الأدني قد وفرت الحاجات الاساسية لبعض الفئات من مواطنيها عبر حزم الضمان الاجتماعي إلا أن غياب الالتزام القانوني والتهرب من تضمينها كحقوق أساسية في دساتير بعض الدول الرأسمالية يجعل هذه المكاسب في مهب الريح وفقا لتقلبات السياسة، ودوننا ماحدث مؤخرا لقانون أوباما للرعاية الصحية والذي إجتهد ترامب في إلغائه فور وصوله للحكم؛ كما أن التباين الاقتصادي بشكل عام بين قلة ثرية وأغلبية محدودة الدخل مازال كبيرا وغير عادل؛ وينذر بإضطراب إجتماعي مستقبلا؛هذه المقدمة علي إيجازها توضح البيئة المناسبة لتطبيق الاقتصاد الرأسمالي ؛ وأن أختيار الجماعة الحاكمة في في السودان للمدرسة الرأسمالية كطريق للاقتصاد السوداني كان إختيارا خاطئا و وبالا علي إقتصاد السودان لان السودان ليس دولة صناعية ،ويعتمد علي إستيراد كل إن لم يكن أغلب مايحتاجه ، ويعتمد في صادراته علي تصدير المواد الخام ولايضيف لها أي قيمة مضافة عبر تصنيعها ،ومع ذلك أطلقت الجماعة الحاكمة وحوشها في السوق في ظل إقتصاد يعاني من إختلالات في الانتاجية وعجز كبير في الميزان التجاري،وكان يجب علي الدولة أن تحمي الاغلبية الساحقة من محدودي الدخل،وأن تتحكم الدولة في إدارة الاقتصاد وتلعب دورا محوريا في حماية الثروات الطبيعية والمشاريع القومية وتطويرها وتوظيف عائداتها بشكل أمثل، ودعم وسائل الانتاج وخفض الضرائب علي المستوردين؛ إلا أنها فعلت عكس ذلك تماما؛ فاطلقت السوق بلا رقابة أو رادع ؛ وحولت عائدات الثروات الطبيعية للمنفعة الخاصة للنخبة الحاكمة؛حيث بددت هذه الجماعة الحاكمة مليارات الدولارات من عائدات النفط والذهب والثروة الحيوانية والزراعية وأهملت المشاريع القومية وخصخصت بعضها وبددت أصول أغلبها؛ وزادت الضرائب علي المنتجين والمستوردين ؛مع ترهل في هياكل الحكم وفساد وإنفاق غير رشيد بلا حساب أو رقيب ؛ فوقع المواطن محدود الدخل بين مطرقة الغلاء وسندان ضعف الدخل والأجور؛ ودخل النشاط الاقتصادي بشكل عام في أزمة عميقة.
وقد طبقت الطفيلية المتوحشة الحاكمة باسم الاسلام في السودان مفاهيم الإقتصاد الرأسمالي بشكل مشوه ومخالف لتطبيق الغرب لها وأقحمتها علي إقتصادنا في غير شروطها،فرأينا خصخصة في غير أسبابها،وكان الهدف من خصخصتهم هو تحويل الأصول العامة المملوكة للشعب لجيوب القلة الحاكمة تمكينا لها ؛وكذلك رأينا إعادة هيكلة لوظائف الخدمة العامة بهدف تمكين الموالين للجماعة وإقصاء المعارضين، وقطع أسباب رزقهم في غير وجه حق،لا لشي إلا لانهم عبروا بوضوح وبالقانون عن رفضهم لانقلاب الجماعة العسكري علي النظام الديمقراطي،فكان نصيبهم التشريد من العمل بدعاوي الصالح العام وفائض العمالة. وحيث أن بديهيات تطبيق الاقتصاد الرأسمالي تقوم علي حرية أليات السوق(العرض والطلب) وشفافية المنافسة،رأينا عكس ذلك في تجربة الجماعة المتأسلمة حيث الاحتكار لنخبة منتقأة من أعوانها،وغابت معايير الشفافية والمنافسة الحرة في أغلب العمليات الاقتصادية منذ الانقلاب وحتي الأن، فأغلب العطاءات مثلا توجه لأفراد وشركات موالية للجماعة الحاكمة أو محسوبة عليها ،ولاتخضع أغلب صفقات الموالين لمراجعات فنية للمواصفات؛ وذلك خلافا لتوجهات المدرسة الرأسمالية في الغرب والتي تمنع بالقانون كل أشكال وطرائق الاحتكار وتحمي المنافسة الحرة النزيهة وتشدد علي الالتزام الكامل بما جاء في العقود.
والغريب أن المشروع الحضاري للانقلابيين تحدث عن إقتصاد إسلامي ،ومع غموض المصطلح ،إنتهجت الجماعة الحاكمة باسم الاسلام نهجا رأسماليا متوحشا يخالف حتي مقاصد الإسلام العليا في العدالة الاجتماعية، التي دعا وأمر بها الإسلام ؛والمعلوم في ديننا الاسلام أن الزكاة هي الركن الثالث من أركان الاسلام وفي ذلك إشارة واضحة لتعظيم الاسلام لقيم التكافل وصولا للعدالة الاجتماعية ؛ فالمال مال الله ؛ وملكية البشر ملكية إستخلاف ،وأن القران نهي نصا عن إكتناز الذهب والفضة ،قال تعالي (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنْ الأحبار والرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنفسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) (سورة التوبه الآية : 35_34 ) وفي هذا الوعيد الالهي لمكتنزي الذهب والفضة دلالة وأضحة علي أن الإسلام أمر بمجتمع العدالة و الكفاية والكرامة ؛حيث يتضاءل التفاوت الطبقي؛ وتعلو المصلحة العامة للمجموعة علي ملكية الفرد، فينعم كل فرد في المجتمع بحياة كريمة ، بعكس مانشهده الأن من تضخم لثروات النافذين في الحركة الاسلامية وزراعها الحاكم في السلطة يقابلها إزدياد لمعدلات الفقر بين عامة الناس ،وضمور للطبقة الوسطي في المجتمع وإنحسار لها ،وإنقسام المجتمع بين أغنياء ومعدمين ،كما أن الإسلام حارب كل أشكال الفساد والتعدي علي الممتلكات العامة و الخاصة بغير وجه حق،والحديث المأثور في قصة المخزومية يدلل علي أن إجراءات التحلل التي تنتهجها الجماعة الحاكمة في مواجهة فساد أعوانها ليست من صحيح الدين ؛ والواقع يقول أن بدعة التحلل ساهمت في زيادة الفساد بكل أنواعه خاصة خيانة الأمانة وذلك لغياب المحاسبة؛ ومن أمن العقوبة أساء الأدب،كما أن بدعة التحلل لاتتفق مع صحيح الاسلام ؛ فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا أَهَتمت لشَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فخْطَبَ ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا) ؛كما نهي الاسلام عن الاحتكار بعكس تطبيق الجماعة الحاكمة التي شجعت أعوانها علي السيطرة الكاملة علي السوق وإحتكار النشاط الاقتصادي خاصة السلع الضرورية مضمونة الارباح ،ولم تحفل بتأثير تلك القرارات علي الاقتصاد والمجتمع، حيث قال النبي الكريم ( لايحتكر إلا خاطي) أي بمعني آثم ؛ كما نهي الاسلام عن القروض الربوية بعكس مانري في سلوك مايسمي بالحركة الاسلامية الحاكمة في التعامل مع القروض الربوية ، وكمثال لذلك قبول قرض الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي الخاص بتمويل كهرباء منطقة الباقير جنوبي الخرطوم بفائدة سنوية (ربا) قدرها 2.5 وهو بالطبع ليس أول قرض ربوي تقبله الجماعة الحاكمة التي تستغل شعارات الدين ،ولن يكون أخر قرض، رغما عن وجود نصوص واضحة في الاسلام تحرم الربا؛ولا إجتهاد مع نص؛ قال الله سبحانه وتعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) (سورة البقرة الايه: 275-276 ) و قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) ( سورة البقرة الاية : 279_278 )، كما حرم الاسلام الرشوة حيث قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ( لعن الله الراشي والمرتشي ) ونري الان إنتشارا للرشوة في المجتمع تحت مسميات عديدة كعمولات وتسهيلات، في ظل دعاوي قيادات النظام المستمره باسلامية توجههم والتي يناقضها ويفضحها الواقع ؛كما نهي الاسلام في العموم عن كل كسب غير مشروع مما يمكن أن يشمل جريمة غسيل الأموال ( فكل لحم نبت عن سحت فالنار أولي به) ومع ذلك تزخر قضايا الفساد بتهم غسيل الأموال، مما يدلل علي إنتشارها ،وقد أحالت وحدة مكافحة غسيل الأموال منذ العام 2014 بالسودان 40 حالة إشتباه بعمليات غسيل أموال إلى المحاكمة، وذلك ضمن 130 حالة إشتباه أخرى ،وصدرت في بعضها أحكام قضائية،وماخفي أعظم.
كل هذه الجرائم وغيرها تعكس تراجعا في القيم والأخلاق في عهد الجماعة الحاكمة باسم الاسلام ؛هذا بالإضافة إلي أن النبي الكريم لم يكتنز مالا،عاش فقيرا ومات فقيرا زاهدا في عرض الدنيا، رأجيا رضا الله عز وجل؛ بعكس مانراه الأن في سلوك هذه الجماعة المتسلطة من حرص علي الدنيا وإفتتان بمباهجها ، وقد إغتنت وأكتنزت من ممتلكات الدولة وأشبعت كل شهواتها مالا وذهبا وعقارا؛ومن النساء مثني وثلاث ورباع؛ ومع ذلك يطالبون الشعب بالتقشف؟!
ومما سبق يمكن القول أن مايعرف بالحركة الاسلامية لم تقدم القدوة الحسنة طيلة فترة حكمها ، لهذا تفشي الفساد بكل أنواعه في المجتمع وضاعت الأمانة.
ورغما عن الانتقادات الموضوعية التي توجه الي طريقة إدارة الاقتصاد في المجتمعات الراسمالية ، إلا أنه لابد من الاعتراف بأن بعض المجتمعات الرأسمالية قد وفرت قدرا كبيرا من الحقوق المدينة والسياسية لمواطنيها بلا تمييز ؛وأهم هذه الحقوق الحق في حرية الفكروالمعتقد وحرية الرأي والتعبير و حرية المشاركة السياسية والتداول السلمي للسلطة ؛والمساواة أمام القانون وحق التجمع السلمي و الاحتجاج السلمي وحماية الخصوصية وغيرها من الحقوق؛ وعلي النقيض تماما مما يحدث في المجتمعات الرأسمالية ؛ مارست الجماعة الحاكمة في السودان كل أشكال التعدي علي الحقوق المدنية والسياسية للأفراد والكيانات، بل وشددت قبضتها الأمنية علي الحياة العامة والخاصة وتحول السودان في عهدهم الانقلابي إلي دولة داعشية ظلامية وفاشلة في كل شي، وتحول المواطن إلسوداني الي كائن مشوش التفكير وفاقد للأمل في الحاضر والمستقبل.
وأخلص الي أن إختيار وتطبيق الاقتصاد الرأسمالي (إقتصاد السوق) الذي يدعو للأنانية والنزعة الفردية علي حساب المجتمع كان مخالفا للمقاصد العليا للتوجه الديني الذي يدعيه الإنقلابيون،كما كان تطبيق الجماعة الحاكمة لإقتصاد السوق في السودان مخالفا لشروط تطبيقه المتعارف عليها علميا وعمليا في الغرب؛ بل كان تطبيقا فاسدا ومتناقضا مع أطروحات إقتصاد السوق ذاتها؛ لهذا كانت المحصلة النهائية تشوها إقتصاديا عميقا وأزمة خانقة ومستمرة،وأن الجماعة الحاكمة التي ترفع شعارات الاسلام ؛ والاسلام بري منها ،كانت تهدف في الأساس لإحكام سيطرتها علي إقتصاد الوطن وإشباع طفيليتها المتوحشة التي لا تشبع ،نهبا وهدرا لموارد السودان، وفي خلاف واضح لنهج الدين الاسلامي الحنيف الذي يدعو للعدل والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد قولا وفعلا.

من دفتر الثورة السودانية








وانطلقت أعذب زغروده

إيذانا بالموكب

واندلقت فينا كالعطر

يحرر كيمياء الثورة

يشعلها في الروح حماسا

انطلقت تستدعي تاريخ بلادي

نوباتيا وبعانخي ترهاقا وأماني

وكل الأجداد ملوك النيل العظماء

انطلقت تستحضر تاريخا

تستجمع جذوته

وتثير حماسة حاضره

ليثور علي الظلم

يثور كريح الهبباي

ينفجر كهبة مارد

أو ثورة بركان

لشباب بصدور عارية

إلا من حق

وأياد مشرعة بالنصر

تظللها رايات السودان

وخيارات واضحة

لاتقبل وسطا أو تجزئة

إما وطنا حرا أو كفنا

هل سجلت حضورا ثوريا؟

ورايت الثوار أضاءوا الساحات

وتحدوا القهر وليل الذل

وغنوا للفجر وصدحوا

إما وطنا حرا أو كفنا

هل غسلتك حرارة تلك الأجواء؟

وكأن الشمس علي الرأس تماما

وجلست علي الأسفلت

وعيونك تبحث عن حرف من ظل

تلتقط الأنفاس عليه

هل عشت الثورة في الميدان ؟

ورأيت الظلم يدوي

من قنبلة صوتيه

ويصم الآذان

وطلقات الرصاص الغادر

تختطف الثوار

كقطف الأزهار

هل استنشقت (البمبان)؟

وكيف اختنق الصدر

وغطي الدمع العينين

وفاض علي الخدين

وعز علي الرئيتين هواء

واقترب الموت ولم تجزع

فالموت علي الحق حياة

هل استنشقت( البمبان)؟

وفقدت علي الدرب عزيزا

وعرفت معاني الثورة

وخبرت مصارعها

وتعلمت أن لا تستسلم

أو تسقط أو تنهزم لجلاد

وتعلمت وعلمت

بأن الظالم ثعبان سام.


  

                                                                         

يوليو 2019

الخرطوم

أما آن لهذا المارد أن يخرج من قمقمه؟



 نشر بتاريخ: 24 كانون2/يناير /2015








طالعت البيان الأول لانقلاب ثورة الإنقاذ الوطني الذي تلاه العميد عمر حسن أحمد البشير حينها في صبيحة الجمعة في الثلاثين من شهر يونيو للعام 1989،بدافع ذاتي وأخر موضوعي .أما الذاتي فهو أنني كنت طفلا حينما وقع الانقلاب العسكري، وإن كنت أتذكر الحالة العامة للبلاد وقتها إلا أنني كنت أجهل التفاصيل ،مما لزم قراءة للبيان بعد شباب ونضج. أما الموضوعي فهو تسليط الضوء علي الأزمات التي عبر عنها البيان الأول، وكانت مبررا ومسوغا للانقلابيين للانقلاب علي السلطة المنتخبة ديمقراطيا ،والمعالجات التي تمت  بعد ربع قرن من الزمان، و الحاكم  ذات الحاكم .
جاء بيان الانقلابيين في إحدي عشرة فقرة،حيث ركزت الفقرة الأولي علي فشل الأحزاب السياسية في صون الأرض وتحقيق العيش الكريم والإستقرار السياسي.وبالنظر الي حالة الوطن ماقبل الإنقلاب ومابعده تظهر الحقيقة جلية علي الأرض، لا تخطئها عين ولو بها رمد،وهي أن الانقلابيين لم يصونوا الأرض و قد إنقسم السودان في عهدهم إلي دولتين، ومرشح للإنقسام أكثر من ذلك بفعل سياساتهم الفاشلة القائمة علي الإستعلاء والعدائية في التعامل مع مطالب وحقوق الأطراف،كما أن جزءا من أرض الوطن(حلايب )تحت الإحتلال المصري ،ويجري تمصير المنطقة علي قدم وساق،هذا بالإضافة إلي أن هناك صراعا مسلحا ضاريا في النيل الأزرق وجنوب كردفان وفي دارفور بين الجيش النظامي والحركات المسلحة؛وتململا في شرق البلاد ربما ينفجر صراعا مسلحا في أي لحظة، وذلك لضعف التنمية وإحساس عام  لدي النخب هناك بالغبن والتهميش؛هذا الواقع المؤلم ربما يدفع هذه المناطق لخيار الإنفصال يوما ما، رغما عن أن تجربة إنفصال الجنوب لم تلقي نجاحا رغم تأييد كثير من الدول لانفصال الجنوب.والسؤال أين صون الأرض الذي بشر به الإنقلابيون؟!!
أما العيش الكريم  في عهد الانقلابيين فهو كالغول أو العنقاء،ويكفي أن قرابة الخمسمائة ألف سوداني قد غادروا الي خارج البلاد العام الماضي فقط ،بحسب تصريحات الأمين العام لجهاز المغتربين، ناهيك عن الأعوام السابقة.فعن أي عيش كريم يتحدث الإنقلابيون؟!!!وهل هناك رد أبلغ من هذا الهروب الجماعي؟!!!!
أما الإستقرار السياسي فإن كان المقصود به الشمولية، وحكم الحزب الواحد في أبشع تجلياته فقد صدق الانقلابيون؛والشاهد ربع قرن من حكم الحزب الواحد إنتقالا الي حكم الفرد الواحد؛ ويخطط الأن لإستمرار الحاكم العسكري وبطانته باجراءات تفتقر للنزاهة والشفافية والتكافؤ والحياد ،ولاتستند علي دستور أو قانون أو منطق ،اللهم الإ منطق الغاب،وهكذا فليكن الاستقرار فهي لله لا للسلطة والجاه!!
أما الفقرة الثانية في بيان الإنقلاب فقد صب فيها الإنقلابيون جأم غضبهم علي مؤسسات الديمقراطية الثالثه ،وأتهموها بتزييف إرادة المواطنين ،كما وجه البيان النقد للسيد رئيس الوزراء.ولي أن أتساءل كيف تكون الديمقراطية مزيفة والجبهة القومية الإسلاميه التي نفذت الإنقلاب، وينتمي الانقلابيون  إليها قد حققت الفوز بأكثر من خمسين مقعدا لتصبح القوة الثالثة من حيث الوزن السياسي في البلاد؟!!، بل وشاركت في الحكومة الديمقراطية بوزراء لفترات.!!أما إنتقادهم  لرئيس الوزراء وقيادات البلاد وتشويه صورتهم أمام الرأي العام ،فهي عادة ظلت تمارسها أبواق الدعاية السياسية الرخيصة للجبهة القومية الإسلاميه قبل الإنقلاب وبعده وحتي الأن؛ وغالبا مايكون الصبر علي الأذي والصمت هو رد أغلب القيادات السياسية التي تم التطاول عليها؛ والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده،وحقا كل ينفق مما عنده.
أما الفقرة الثالثة من بيان الإنقلاب فقد إنتقدت إثارة النعرات والقبلية في حمل أبناء الوطن السلاح ضد أخوانهم في دارفور وجنوب كردفان.لاتعليق عندي،فواقع الحال أبلغ من أي مقال!!!. إلهي رحماك.
أما الفقرتين الرابعة والخامسة فقد ركزتا علي إهمال حكومة الديمقراطية لاحتياجات القوات المسلحة ،وأن هناك إهتماما من حكومة الديمقراطية بالمليشيات الحزبية.ولي أن أتساءل أين هي القوات المسلحة السودانية الأن ؟!!إن القوات المسلحه السودانيه تحتضر، ويخطط للمليشيات القبلية أن تحل محلها، حيث الولاء للقبيلة لا للوطن، والحاكمية للأفراد لا للقانون.إننا نودع عصر الدولة الحديثة لمصلحة حكم القبائل المستقلة والمليشيات.وحقا فقد أقبلت علينا الفتن كقطع الليل المظلم!!!
وتحدثت الفقرة السادسة من بيان الإنقلابيين عن التدهور في الوضع الإقتصادي وإرتفاع الأسعار وندرة السلع وإستشراء السوق الأسود وفساد المسؤولين وتهاونهم في ضبط الحياة والنظم.ولايوجد تعليق علي هذا الجانب أفضل من  إفادة الدكتور التجاني الطيب إبراهيم الخبير الاقتصادي المعروف، والذي  إستند علي إحصائيات الجهاز المركزي -وهو  جهة حكومية- في قراءة الواقع الإقتصادي حاليا ،حيث أفاد بأن هناك تراجعا في نسبة النمو الحقيقي للإنتاج الزراعي بشقيه الحيواني والنباتي من 10.8% عما كان عليه في الفتره1990-1991 الي 3.6% في الأعوام   2000-2009 الي نمو بالسالب( عجز)بنسبة1.5% في الأعوام 2010-2013 ؛وأن هناك إنخفاضا في إسهام القطاع الصناعي في الناتج المحلي من نسبة 13% قبل عشر سنوات إلي أقل من نسبة 7% حاليا ؛وتقدر الفجوه الدولاريه  ب(6-7)مليار دولار للعام.ومظاهر هذا الوضع الإقتصادي المخيف وأضحة في الإرتفاع الجنوني للأسعار.وقد نشرت صحيفة البيان اﻹماراتيه الصادره بتاريخ الأول من يناير لهذا العام تقريرا مفصلا عن ميزانية السودان للعام ،2015 وأبرزت عددا من  المفارقات، أهمها أن مخصصات الدفاع والشرطه والأمن قد بلغت 13.7مليار جنيه وأن 2.7مليار منها للأمن؛بينما ميزانية الصحه بكل مستشفياتها ومستلزماتها تقدر ب779.4 مليون جنيه سوداني فقط !!!؛وقدر لجملة مرتبات كل الموظفين والعمال في الدوله ب18.7 مليار جنيه سوداني للعام بينما تبلغ أجور ضباط جهاز الأمن والدفاع وموظفي الأجهزه السياديه الأخري ب 11.6مليار جنيه سوداني ،أي نسبة 60% من جملة أجور القطاع العام!!!.وما خفي أعظم.أما إنعدام السلع كما ورد في بيان الإنقلابيين ؛فقد كشفت الأيام ما كان خافيا ،وهو أن الجبهة القومية الإسلامية كانت تحرض التجار لإخفاء السلع حتي تمهد لتأييد الشارع لإنقلابها ساعة وقوعه.أما فساد المسؤولين في بيان الإنقلاب؛فلا أعتقد أن كلمة الفساد أصبحت الكلمة المناسبة لوصف جرائم الإنقلابيين في حق الشعب ونهب ثرواته؛حيث حل السودان في المركز رقم 174، أي في المرتبة الرابعة قبل الأخيرة للدول الأكثر فسادا في العالم من جملة 177 دولة حول العالم ،بحسب أخر تقرير لمنظمة الشفافية العالمية ،وتحتل الدولة الأكثر فسادا المركز الأخير والدولة الأقل فسادا المركز الأول؛ويكفينا ما ورد من تقرير المراجع العام الحكومي ،وبقدر ما سمح له به ،لنعرف أن علماء الإقتصاد السياسي والإجتماع بحاجة إلي تعريف مصطلح جديد بديل للفساد لوصف ما يحدث في دولتنا الرأشدة المهاجرة الي الله، والمهاجر من هجر ما نهي الله عنه.
وركزت الفقرة السابعة لبيان الانقلابيين علي إنهيار الخدمة المدنية أوعلي الفصل التعسفي الذي عرف باسم الصالح العام وأن الولاء الحزبي أفسد الخدمة المدنية.و المتأمل لهذه الفقرة سيصاب بالدهشة ؛حيث لم يشهد السودان في تاريخه علي مر العصور حملة للفصل التعسفي والتعيين علي أساس الولاء السياسي كما حدث في عهد الانقلابيين،فيما عرف بسياسة التمكين ،والتي أعترف بها الحاكم العسكري وبلسانه في لقاء تلفزيوني،حيث شرد ألألاف من عملهم بدعاوي الصالح العام وفائض العماله ،وكان طبيعيا أن تنهار الخدمة المدنية لإنهيار لوائح العمل وغياب قيم العدل والمساواة وتكافؤ  الفرص وإنعدام الرقابة والمحاسبة، وتشريد الكفاءات والخبرات وهجرة العقول.كما تمت أكبر عمليات نهب و إفقار وتجفيف للمؤسسات القومية في مايعرف بسياسة الخصصه، والتي تمت دون شفافية ولم تراعي مصلحة الوطن أو المواطن،فأصبحت مؤسساتنا المدنية القومية كسودانير ومشروع الجزيره والنقل النهري والسكة الحديد وغيرها أثرا بعد عين.
أما الفقرة الثامنة في البيان سيي الذكر ،فقد أشارت إلي إهمال الحكومات السابقة  للتنمية في ألأقاليم وإنفراط عقد الأمن بها.ولاحاجة للتأكيد علي أن تنمية الوطن عاصمة وولايات لم يكن يوما في أولوية إهتمام الحاكم الجائر؛حيث كان ولازال إهتمامهم الأكبر  إكتناز ثروات شعبنا وإشباع ذواتهم الفانية من خزائن الدولة علي حساب الأغلبية الساحقه لشعبنا ،و التي تعيش تحت خط الفقر.أما بخصوص إنفراط عقد الأمن في الولايات فلم يحدث إنفراط للأمن في تاريخ السودان كما يحدث الأن، خاصة في بعض ولايات دارفور وكردفان ،والتي تحول بعض من أجزائها الي ساحة معارك بالاسلحة الثقيلة والطائرات الحربية.ومايعدنا الجلاد إلا غرورا!!
وتحدث الانقلابيون في الفقرة التاسعة من بيانهم عن الضرر الذي سببته حكومة الديمقراطية الثالثه علي علاقات السودان الخارجية.ولاأدري ماذا أقول، فقد أصبحنا بفضل السياسة الخارجية الرسالية للإنقلابيين،والتي لم تراعي حقا لقريب أو عهدا لبعيد،ملفوظين من كل العالم ،ومتهمين بالإرهاب والتطرف وذلك علي غير حقيقة شعبنا ،وأنعكس ذلك عقوبات دولية ضد شعبنا أقعدت مسيرته في كثير من المجالات الحيوية ؛كل هذا من وراء السياسات العامة للإنقلابيين ومن بينها سياستهم الخارجية؛إن كانت تستحق أن نسميها سياسة !!
أما الفقرة العاشرة من البيان فكان أبرز مافيها أن تحرك القوات المسلحه جاء لإنقاذ الوطن من الخونة والمفسدين ،وليس حبا للسلطة ،ولصون وحدة الوطن وكيانه من التمزق ومن أجل إبعاد المواطن من الجوع والشقاء والنزوح والمرض.والحقائق علي الأرض بعد ربع قرن من حكمهم، أن البلاد قسمت، وأن الوطن  قد تمزق، والمواطن هجر وطنه في رحلة اللجوء أو الاغتراب،ومن بقي في الوطن بين النزوح والتشريد أوالصبر منتظرا الفرج مغلوبا علي أمره محتسبا ومفوضا أمره لله،أما بشان عدم طمع الإنقلابيين في السلطه,فالواضح أن ربع قرن في السلطة لم تكفيهم ،فمازال الإنقلابيون يخططون لمثلها ،لتدلل مقدار محبتهم وولههم للسلطة وللحكم!! وما لدنيا قد عملنا!!!،وإن لم تستح فأصنع ماشئت!!!
وفي الفقرة الأخيرة من بيان الإنقلابيين دعوة منهم للمواطنين للإلتفاف حول رأية القوات المسلحة القومية من أجل إنقاذ الوطن وإستمراره موحدا كريما.وقد كشفت الأيام كيف أن الحاكم العسكري لم يكن قوميا في يوم من الأيام وإن تدثر بدثار مؤسسة يفترض فيها القومية ،وقد ذهب للقصر رئيسا وشيخه في السجن حبيسا في خطة محكمة لتمكين الطفيلية المتوحشة من حزبه  المتاجر بالدين علي ثروات البلاد وخيراتها.
في رأيي أن بيان الإنقلابيين الأول يصلح ليكون بيانا للثورةعليهم ،والبيان يحتاج لمزيد من الدراسة والتشريح خاصة من أهل الإختصاص من إقتصاديين وعسكريين وسياسيين، ممن صنع وعاصر الأحداث حتي تزول تلكم الصورة الزائفة التي صورها الإنقلابيون لأوضاع البلاد ماقبل الإنقلاب ،ولرد الإعتبار لإنتفاضة أبريل المجيدة كثورة شعبية أنتجت نظاما ديمقراطيا حقيقيا، كان يجب أن يستمر ويطور من خلال الممارسة الديمقراطية الراشدة لا أن يقوض ،وأن نصبر عليه وإن شابه قصور لا أن يغتال نهارا جهارا.
ومابين البيان واليوم ربع قرن من الزمان تقف شاهدا علي إستمرار فشل حكم الإنقلابات العسكرية في السودان عامة علي النهوض بالوطن وصونه وتنميته،وأن محصلة ماتم إنجازه، إن كان هناك إنجاز يستحق الذكر أصلا،مقارنة بما تم تدميره يعتبر كارثة في حق الوطن والمواطنين ،بكل ماتحمل الكلمة من معان،وهي رد شاف لإنصار الإنقلابات العسكرية ، ممن يدعون أن التنمية لاتتحقق الإ في ظل حكم شمولي،وكأن البلاد التي بنت مجدها تنمية وإنسانا علي إساس ديمقراطي من كوكب أخر!!.وهل هناك أحرص علي التنمية من حاكم منتخب برضا الناس لا بفوهة البندقية ،وباحترام الدستور لا بتعطيله ،بربكم كيف يحكمون؟!!!
ومابين تشبث الحاكم العسكري وبطانة السوء بالسلطة عتوا وتجبرا ،يصبح الواجب الملح أن يستعيد شعبنا زمام المبادرة في معركته نحو إستعادة حقوقه كامله،عبر تفعيل خيار الإنتفاضة الشعبية السلمية، وأن تحشد قوي التغيير كل قواها لذلك ،وهي  تخوض معركتها ضد نظام الفساد مدججة بعدالة قضيتها،ومشروعية مطالب شعب آن له أن يستعيد حريته،وأن يخرج من قمقمه.
بسم الله الرحمن الرحيم
ملحق: نص البيان الاول الذي اذاعه العميد عمر حسن احمد البشير صباح الثلاثين من يونيو 1989
أيها الشعب السوداني الكريم
إن قواتكم المسلحة المنتشرة في طول البلاد وعرضها ظلت تقدم النفس والنفيس حماية للتراب السوداني وصونا للعرض والكرامة . وترقب بكل أسى وحرقة التدهور المريع الذي تعيشه البلاد في شتى أوجه الحياة ، وقد كان من أبرز صوره فشل الأحزاب السياسية في قيادة الأمة لتحقيق ادني تطلعاتها في صون الأرض والعيش الكريم والاستقرار السياسي ، حيث عبرت علي البلاد عدة حكومات خلال فترة وجيزة ما يكاد وزراء الحكومة يؤدون القسم حتى تهتز وتسقط من شدة ضعفها وهكذا تعرضت البلاد لمسلسل من الهزات السياسية زلزل الاستقرار وضيعوا هيبة الحكم القانون والنظام .
أيها المواطنون الكرام
لقد عشنا في الفترة السابقة ديمقراطية مزيفة ومؤسسات الحكم الرسمية الدستورية فاشلة، وإرادة المواطنين قد تم تزييفها بشعارات براقة مضللة وبشراء الذمم والتهريج السياسي ، ومؤسسات الحكم الرسمية لم تكن إلا مسرحا لإخراج قرارات السادة ، ومشهد ا للصراعات والفوضى أما رئيس الوزراء فقد أضاع وقت البلاد وبدد طاقاتها في كثرة الكلام والتردد في المواقف حتى فقد مصداقيته.
أيها المواطنون الشرفاء
إن الشعب بانحياز القوات المسلحة قد أسس الديمقراطية في نضال ثورته في سبيل الوحدة والحرية ولكن العبث السياسي قد افشل الحرية والديمقراطية وأضاع الوحدة الوطنية بإثارته النعرات العنصرية والقبلية في حمل أبناء الوطن الواحد السلاح ضد إخوانهم في دارفور وجنوب كرد فان علاوة على ما يجري في الجنوب في مأساة وطنية وسياسية .
مواطنيّ الأوفياء إن عداوات القائمين على الأمر في البلاد في الفترة المنصرمة جعلتهم يمهلون عن قصد إعدادها لكي تقوم بواجبها في حماية البلاد ولقد ظلت قواتكم المسلحة تقدم أرتالا من الشهداء كل يوم دون أن تجد من هؤلاء المسئولين ادني اهتمام من الاحتياجات أو حتى في الدعم المعنوي لتضحياتها مما أدي إلى فقدان العديد من المواقع والأرواح حتى أصبحت البلاد عرضة للاختراقات والاستلاب من إطرافها العزيزة في هذا الوقت التي نشهد فيه اهتماما ملحوظا بالمليشيات الحزبية .
أيها المواطن لقد فشلت حكومات و الأحزاب السياسية في تجهيز القوات المسلحة في مواجهة التمرد وفشلت أيضا في تحقيق السلام الذي عرضته الأحزاب للكيد والكسب الحزبي الرخيص حتى اختلط حابل المختص بنابل المنافقين والخونة وكل ذلك يؤثر على قواتكم المسلحة في مواقع القتال وهى تقوم بالإشراف المعارك ضد المتمردين ولا تجد من الحكومة عونا على الحرب أو السلام هذا قد لعبت الحكومة بشعارات التعبئة العامة دون جهد أو فعالية.
أيها المواطنون الشرفاء :
لقد تدهور الوضع الاقتصادي بصورة مزرية وفشلت كل السياسات الرعناء في إيقاف التدهور ناهيك عن تحقيق أي قدر من التنمية مما زاد حدة التضخيم وارتفعت الأسعار بصورة لم يسبق لها مثيل واستحال علي المواطن الحصول علي ضرورياتهم إما لانعدامها أو ارتفاع أسعارها مما جعل الكثير من ابنا الوطن يعيشون علي حافة المجاعة وقد أدي التدهور الاقتصادي إلي خراب المؤسسات العامة وانهيار الخدمات الصحية والتعليمية وتعطيل الإنتاج بعد أن كنا نطمع أن تكون بلادنا سلة غذاء العالم أصبحنا امة متسولة تستجدي غذاءها وضرورياتها من خارج الحدود وانشغل المسئولون بجمع المال الحرام حتى عم الفساد كل مرافق الدولة وكل هذا مع استشراء التهريب والسوق الأسود مما جعل الطبقات الاجتماعية من الطفيليين تزداد ثراء يوم بعد يوم بسبب فساد المسئولين وتهاونهم في ضباط الحياة والنظم ...........
أيها المواطنون الشرفاء:
لقد امتدت يد الحزبية والفساد السياسي إلي الشرفاء فشردتهم تحت مظلة الصالح العام مما أدي إلي انهيار الخدمة المدنية ولقد أصبح الولاء الحزبي والمحسوبية والفساد سببا في تقديم الفاشلين في قيادة الخدمة المدنية وافسدوا العمل الإداري ضاعت بين يديهم هيبة الحكم و سلطان الدولة ومصالح القطاع العام .
أيها المواطنون  الكرام
إن إهمال الحكومات المتعاقبة علي الأقاليم أدي إلي عزلها من العاصمة القومية وعن بعضها في ظل انهيار المواصلات وغياب السياسات القومية وانفراط عقد الأمن حتى افتقد المواطنون ما يحميهم ولجئوا إلي تكوين المليشيات كما انعدمت المواد التموينية في الأقاليم إلا في السوق الأسود وبأسعار خرافية .
أيها المواطنون لقد كان السودان دائما محل احترام وتأييد من كل الشعب والدول الصديقة كما انه أصبح اليوم في عزلة تامة والعلاقات مع الدول العربية أصبحت مجالا للصراع الحزبي وكادت البلاد تفقد كل صداقاتها علي الساحة الإفريقية ولقد فرطت الحكومات في بلاد الجوار الإفريقي حتى تضررت العلاقات مع اغلبها وتركت لحركة التمرد تتحرك فيها بحرية مكنتها من إيجاد وضع متميز أتاح لها عمقا استراتيجيا تنطلق منه لضرب الأمن والاستقرار في البلاد حتى أصبحت تتطلع إلي احتلال موقع السودان في المنظمات الإقليمية والعالمية وهكذا أنهت علاقة السودان مع عزلة مع الغرب وتوتر في إفريقيا والدول الاخري .
أيها المواطنين الشرفاء .
إن قواتكم المسلحة ظلت تراقب كل هذه التطورات بصبر وانضباط وكان شرفها الوطني دفعها لموقف ايجابي من التدهور الشديد الذي يهدد الوطن واجتمعت كلمتها خلف مذكرتها الشهيرة التي رفعتها منبهة بشدة من المخاطر ومطالبة بتقديم الحكم وتجهيز المقاتلين للقيام بواجبهم ولكن هيئة السيادة السابقة فشلت في حمل الحكومة علي توفير الحد الأدنى لتجهيز المقاتلين واليوم يخاطبكم أبناؤكم في القوات المسلحة وهم الذين أدوا قسم الجندية الشرفية أن لا يفرطوا في شبر من ارض الوطن وان يصونوا عزتهم وكرامتهم وان يحافظوا علي البلاد و سكانها واستقلالها المجيد وقد تحركت قواتكم المسلحة اليوم لإنقاذ بلادنا العزيزة من أيدي الخونة والمفسدين لا طمعا في مكاسب السلطة بل تلبية لنداء الواجب الوطني الأكبر في إيقاف التدهور المدمر ولصون الوحدة الوطنية في الفتنة والسياسة وتامين الوطن وانهيار كيانه وتمزق أرضه ومن اجل إبعاد المواطنين من الخوف والتشرد والجوع والشقاء والمرض .
قواتكم المسلحة تدعوكم أيها المواطنين الشرفاء للالتفاف حول رايتها القومية ونبذ الخلافات الحزبية والإقليمية الضيقة وتدعوكم الثورة معها ضد الفوضى والفساد واليأس من اجل إنقاذ الوطن ومن اجل استمراره وطنا موحدا كريما.عاشت القوات المسلحة حامية كرامة البلاد عاشت ثورة الإنقاذ الوطني عاش السودان حرا مستقلا ..... الله اكبر والعزة للشعب السوداني الأبي .
عميد أ.ح عمر حسن احمد البشير

حول حرمة الدم


 نشر بتاريخ: 13 كانون2/يناير 2019






 
قال تعالي (ومن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا.) {النساء:93}،وأخرج النسائي في (السنن) والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم .
ونصت المادة (28) في الفصل الثاني لوثيقة الحقوق في دستور السودان لعام 2005 عن الحق في الحياة والكرامة الانسانية "إن لكل إنسان حق أصيل في الحياة والكرامة الانسانية والسلامة الشخصية، ويحمي القانون هذا الحق،ولا يجوز حرمان أي إنسان من الحياة تعسفا.كما نصت الماده (36)علي تقييد عقوبة الاعدام إلا قصاصا أو حدا أو جزاء علي الجرائم بالغة الخطورة وبموجب إجراءات قانونية.
واستنادا علي ما سبق من نهي إلهي عن قتل النفس و وعيد رباني بغضب الله وعذابه علي القاتل المتعمد، وفي أكثر من أية كريمة ، وفي نهي النبي الكريم وتعظيمه لحرمة الدم وأن زوال الدنيا أهون علي الله من قتل النفس وفيما تعاهد عليه شعب السودان مع حكوماته في وثيقة الحقوق بالفصل الثاني لدستور السودان لعام 2005 من نص صريح يمنع حرمان أي إنسان من الحياة تعسفا وأن حق الحياة والكرامة الانسانية حق أصيل محمي بالقانون.
وعليه تصبح الدعوات المحرضة علي العنف تجاه المتظاهرين السلميين والصادرة من قياديين في الحركة الاسلامية هما علي عثمان محمد طه والفاتح عزالدين تحريضا صريحا علي القتل يستوجب التحقيق الفوري من قبل الشرطة السودانية وكل الجهات الأمنية المعنية بسلامة المواطنين وحفظ الحقوق الدستورية أمام شريعة الغاب ودعوات القتل المجاني المرسلة من قياديين بارزين في الحركة الاسلامية ،والواضح أن مؤسساتنا القانونية الرسمية عاجزة حيث لم نري اي ردة فعل رسمية تجاه حديث القياديين البارزين في الحركة الاسلامية والحزب الحاكم. إن الموت الذي يبشروننا به لايخيفنا، فالموت دفاعا عن الحق ضد طاغية ظالم هو حياة بكل معني الكلمة ،وأعظم الجهاد كلمة حق في وجه سلطان جائر، والموت الحقيقي أن تعيش منافقا ومدافعا عن طاغية فاسد ظالم.إن هذا الوطن يستحق منا كل التضحيات، والجود بالنفس أسمي غايات الجود.ومن المهم أن يتقدم المحامون المنحازون لحقوق الشعب بطلبات ملاحقة قضائية عاجلة علي خلفية التصريحات الصادرة من القياديين والمنقولة تلفزيونيا علي قناتي سودانية 24 وعلي الbbc ليضعوا السلطة القضائية أمام مسؤولياتها .إن دولة القانون تقف علي مفترق طرق وإن شريعة الغاب التي ينادون بها لو إنقلبت عليهم لتمنوا الف مرة أن يحكموا القانون.إن مايحدث من إطلاق نار حي علي المتظاهرين السلميين يتجاوز كل الاديان والقوانين والاعراف وكل القيم ،ويدعو الجميع بلا استثناء للوقوف ضد التحريض ،وضد قتل المتظاهرين السلميين.

حملة إرحل حزمة إرادة وقدر شعب


 نشر بتاريخ: 20 نيسان/أبريل 2015








 
      نجحت قوي الإجماع الوطني المعارض مسنودة بوعي شعبنا الخلاق في مقاطعة إنتخابات الإنقلابيين عبر حملة إرحل،والتي أكدت أن الحاكم العسكري يعيش عزلة حقيقية عن شعبه،وأنه بلاسند جماهيري، وأن مايبقي نظامه علي السلطة قبضته الأمنية وقهره لشعبه لا أكثر.
     والواضح من تجارب شعبنا، ومن تاريخنا القريب، أن إنقلاب يونيو علي طريق إنقلاب مايو؛ وأن المؤتمر الوطني الحاكم  كالإتحاد الإشتراكي البائد؛ولهذا فان مصير يونيو لن يختلف عن مصير مايو، إلي مزبلة التاريخ، غير مأسوف عليهما.
    وحسنا فعلت قوي الإجماع بتمديد حملة إرحل،ودعت الي توسيعها،فالواجب أن يتم النظر والدعوة والعمل  في حملة إرحل علي أساس أنها حزمة متكامله (package)من سلسلة عمليات(processes)تنتهي باسقاط النظام وكنس أثاره ؛بدأت بنجاح بمقاطعة إنتخابات تزييف الشرعيه،وستستمر الي إسقاط النظام، عبر عمليات سلمية شعبيه مجربه،من إضراب سياسي وعصيان مدني وانتفاضة شعبية ،وصولا لاسقاط الشمولية الحاكمة؛ وتصفية دولة الحزب الواحد، وإقامة دولة مدنية ديمقراطية،تبني علي صون التنوع والتعدد،وعلي  قيم الحرية وسيادة القانون وإحترام حقوق الإنسان والمساوأة والعدالة الإجتماعية ،وحدوث ذلك،يقود بالضروره الي إزالة مسببات الحرب نهائيا، ويؤسس لبناء السلام العادل الراسخ بمفهومه الشامل، ويغلق منافذ الحرب تماما.
    كما يجب النظر لحملة إرحل علي أنها تطوير وإمتداد لهبات شعبنا ضد الإنقلابيين.إن نجاح حملة أرحل يعتمد في الأساس علي جدية أطراف قوي الإجماع الوطني، ومدي نشاطها وتناغمها،في صبر ومثابرة ،من أجل أن تثمر هذه الجهود علي وأقعنا إنتفاضة وإنتقالا لسودان الديمقراطية والحرية والعدالة والسلام. 
    وعلي هذا الأساس الواضح يمكن أن تستمر حملة إرحل الي نهاياتها الظافرة باذن الله ،وأن يحشد حولها أكبر إجماع ممكن،وفي سبيل خلق هذا الإجماع حول هذه الحمله،لابد لقوي الإجماع الوطني من أن تدرس كيفية جذب الكفاءات السودانية من أكاديميين ومهنيين وناشطين من غير المنتظمين حزبيا في الداخل والخارج، للعمل ضمن منظومة قوي الإجماع الوطني ،ووضع الأطر التنظيمية المناسبة التي تسمح بذلك ،كما يجب الإلتفات الي ضرورة توحيد جهود التنظيمات الشبابية والمجموعات الثقافية الناشطة في الداخل والخارج، للعمل جميعا كشبكة وأحدة، تعزيزا للجهود وتوحيدا للخطاب، وصولا للأهداف العليا لحملة إرحل، وإنجاز مهامها علي الوجه الأكمل.

السبت، 1 أغسطس 2020

أقدار




أما لهذا الحُزن من نهاية ؟
تحلقُ الطيورُ كل فَجر
عَذراء مُفعمه
براحةِ الضمير
بالسلام
بالبراءةِ المُغرِده
تواجه الإعِصار والصياد
بالنشيدِ والإصِرار
وتفرِدُ الجناح كالخيال
يا للصغار
وعدتهم بالقمح هذى المرة
وتنطلق للموت فى وداعةٍ
بابتسامة أودعَتها كل حُبها
في أن تفي بوعدها
ضحكة الصغار يا حياتها
تعودُ فى الغروب
وقد وفت بوعدها
يافرحة الصِغار
وهم يُهدهِدون حِجرها
ويأكلون
يداعِبونها فتبتسم
وتنتشى
فتُرسلُ الألحان دافئه
تجترُّ فى الشجن
تجترُّ يومها العصيب
ضعفها المقيم
حُزنها
ذكرى رفاقها الألى قضوا
وهم يُصارعون
جحافل البغاة
بالنشيدِ العذبِ
مخالب النبال
ويقتلون على شفا حبة أو سنبله
ويكتبون بالدماء
فليسقط القِناع
تلك قِسمة ظالمه
نعم تعودُ مُثخنه
لكنها حينما تعودُ أو تموت
تنام مُطمئنه
غير مُذنبه
فى لهفةٍ لفجرها الجديد
وتستمرُ المجزره.

مايو 2005


خارطة الطريق إلي الإنتفاضة الجماهيرية السلمية .


 نشر بتاريخ: 21 آب/أغسطس 2016

لأكثر من عقدين ونصف  ، تنوعت وتكررت إستراتيجيات القوى المعارضه لإسقاط النظام الشمولي وإستعادة النظام الديمقراطي دون جدوي، ولم يتحقق هدفها الأساسي طيلة هذه المدة، وإن إنتزعت هامشا للحريات يتسع ويضيق علي حسب ضغطها للنظام،وأحيانا علي حسب مزاج الحاكم العسكري، إلإ أن هذه المساعي النبيلة أضاءت الطريق ،و وضحت مكامن الضعف ومواضع القوة في إستراتيجياتها المتبعة في صراعها مع الديكتاتور.
وما بين خيارات الكفاح المسلح، والحل التفاوضي حوارا وتسوية مع النظام ،والثورة الجماهيرية السلمية بكافة أشكالها من إنتفاضة وإعتصام وعصيان مدني وإضراب عام ،ولاحقا خيار الانتفاضة المحمية بالسلاح والتي تقضي بشد النظام في الأطراف عبر العمل المسلح،لإضعاف قبضته الأمنية في المركز وتشتيت قواه الأمنية،مما يعطي هامشا للحرية والحركة يستطيع الشارع من خلالها أن ينتفض،كل هذه الإستراتيجيات علي ما فيها من نبل المسعي، وتجريب كل ممكن ومتاح،إلإ أنها لم تحقق الأهداف والغايات المنشودة منها.
وفي رأيي، إن أهم الدروس المستفادة من هذه التجربة الممتدة في الصراع ،أنه لابد من توحيد كل الجهود المعارضة حول خيار واحد،تعظيما للنفوذ والقوة،ومنعا لإهدار وتبديد الموارد المادية والبشرية والفكرية للقوي المعارضة علي قلتها وندرتها في أكثر من خيار،و تثبيتا للعزائم المعارضة من أن تفتر همتها، ومن ثقة شعبنا فيها وفي خياراتها من أن تهتز، وصونا لعدالة قضيتنا من التسويات الخاسرة.
والواضح أن خيار الانتفاضة الجماهيرية السلمية بكافة أشكالها من إنتفاضة سلمية وإعتصام وعصيان وإضراب عام،هو الخيار الأفضل والمجرب والأقل تكلفة ،والأكثر قبولا محليا وإقليميا ودوليا،وهو خيار يتسم بقدر عال من الديمقراطية، ويسنده القانون والدستور والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان .
والمؤكد،أن الإنتفاضة الجماهيرية السلمية لن تحدث صدفة، بل تحتاج الي تخطيط سليم وتنظيم دقيق وقيادة ميدانية ومركزية رأشدة، تقود الجماهير بمسوؤلية وشجاعة وصبر وثبات وشفافية نحو غاياتها النبيلة، مثلما ما حدث من قبل في ثورتي أكتوبر وأبريل المجيدتين،مع تجاوز سلبيات تلك الثورتين،خاصة فيما يتصل بإدارة البلاد في فترة الإنتقال للنظام الديمقراطي.
وما توحيد الخيار الاستراتيجي لإسقاط النظام وإسترداد الديمقراطية الإ مدخلا لتوحيد أليات التنفيذ،فمثلا، يمكن أن يتم تشكيل لجنة مركزية قائدة وممثلة من كل الفصائل المعارضة لإدارة الحراك الجماهيري السلمي بميزانية مالية متفف حولها، علي أن يلتزم كل فصيل معارض بتوفير عدد ما لايقل عن مائتين من عضويته الملتزمة كنواة لهذا الحراك، وأن يتم وضع خطة تفصيليه بمواقيت سرية، للتحرك في العاصمة بمدنها الثلاث في وقت واحد، ودراسة مسارات كل حراك في المدن الثلاث،وإعداد بدائل لكل مسار، ودراسة كل السيناريوهات المحتملة في ردة فعل النظام، ووضع رؤي وأقعية للتعامل معها،علي أن يتم إختيار قادة ميدانيين لقيادة هذا الحراك مزاوجة بين الخبرات والشباب،وأن تسند هذا الحراك إتصالات دبلوماسية دولية وإقليمية للتعريف بأهداف وسلمية الحراك كنوع من الحماية خاصة في لحظات الميلاد،و أن يتم التنسيق والاتصال بكل وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والدولية علي تنوعها لمساندة شعبنا في حراكه نحو إسترداد حقوقه كاملة.
إن التخطيط لتفجير الإنتفاضة الجماهيرية السلمية يقع علي عاتق الأحزاب السياسية المعارضة، خاصة بعد ضرب النظام للنقابات العمالية والمهنية، وقمعه الوحشي لهبات الطلاب، فالأحزاب هي أداة التنمية السياسية، و لها من القدرات الفكرية والمالية والبشرية ما يمكنها من إدارة هذا الحراك بفعالية وضمان نجاحه بأقل خسائر ممكنه ،كما أن تجارب التنسيق السابقة بين قوي المعارضة فيما بينها، علي ما فيها من تنازع وقصور، لا يخرج من إطار الطبيعي في عمل التحالفات العريضة متباينة الأفكار والرؤي، تلك التجارب السابقة تصلح لأن تكون أساسا تبتدر به هذا المسعي الصالح لفجر قريب، وفي البال نجاحات سابقة، وإن كانت محدودة النتائج، فقد عاب تلك النجاحات إنقطاع إستمراريتها كحملة (إرحل ) لمقاطعة إنتخابات التزوير، ومن قبلها تجارب العمل المشترك والموحد تحت رأيات التجمع الوطني الديمقراطي.
إنني أقول وبكل وضوح ،بإمكان الأحزاب المعارضة أن تخطط لقيام الانتفاضة بشكل ناجح ،فهي تمتلك كل المقومات والمطلوبات والموارد ولاينقصها إلإ كمال الثقة فيما بينها، والعمل معا بعلمية بعيدا عن المحاصصة غير المجدية، والنظرة الحزبية الضيقة، والعصبية للرأي أو الإنتماء أو القبيلة.
وهي دعوة لقادة وأنصار حركات الكفاح المسلح في كل الجبهات الي التفكير الجاد،والإستفادة من التجارب السابقة، فالعمل المسلح مكلف للغاية، وغير مثمر، لان توازن القوة لمصلحة النظام الذي يمتلك موارد دولة كاملة، تعينه علي التمويل والإسناد والتسليح والحشد والتعبئة والتدريب بأضعاف أضعاف من ما تملك الحركات المسلحة ، كما أن أضرار العمل المسلح علي المجتمع كثيرة ومؤلمة، لكل هذا أتمني أن تتحول كل الموارد المخصصة للعمل المسلح لدعم خيار الانتفاضة الجماهيرية السلمية.
كما هي دعوة لأنصار التسوية السلمية الي الخجل مما يدعوننا إليه، فإن فتروا فلهم كل الحق في أن يستريحوا:
ماجحدنا أفضالكم غير أنا لم تزل في نفوسنا أمنية
في يدينا بقية من بلاد فاستريحوا كي لاتطير البقية.
إن الطفيلية المتوحشة الحاكمة ظلما وقهرا لن تسلم السلطة سلميا، ولن تغير من سلوكها العدواني المستفز المتعجرف تجاه شعبنا ومعارضيها،وما أكثر الإتفاقيات الموقعة معها وما أقل الإعتبار من تكرار ذات التجارب الفاشله، والسؤال الذي يفرض نفسه علي دعاة التسوية ،ما الذي يمنع الرئيس الأن من أن يسلم السلطة لحكومة تكنوقراط لفترة إنتقالية متفق حولها بمهام وطنية محددة؟ فإن كان يمنعهم من ذلك خوف القصاص والمحاسبة ، فربما يسبق ذلك عفو شعبنا كريم الطباع، ويبقي الحساب الحقيقي والعادل يوم الحساب لو يتذكرون.
وختاما أقول، لقد أضاءت هبة سبتمبر المجيدة قبل ثلاث سنوات الطريق لمن له بصر وبصيرة،وشحنت النفوس بعزم لايلين وخضبت الأرض بدماء طاهرة، وزينت السماء بأرواح كالنجوم، والجود بالنفس أسمي غاية الجود،إننا دعاة حق وأنصار قضية عادلة، لانطلب ثارا أو ظلما ،إنما نطلب سيادة القانون بلا تمييز أو محاباة، وإحترام حقوق شعبنا في أن يعيش في سلام في ظل نظام ديمقراطي حرعادل، نبحث عن إسترداد وطن مختطف من قبل جماعة مهووسة وطفيلية لاتستحي ولا تشبع، لسنا دعاة حرب أو كراهية، لكننا نعرف أن الإستقرار الشامل لايتحقق الا بمعالجة أسباب الفشل والنزاع كاملة،إننا دعاة سيادة القانون لنا أوعلينا، لانطلب باطلا إن خرجنا للشوارع نطلب حقوقنا كاملة، ولانقبل فيها تجزئة أو هبة من جلاد،ولا نطيع من يساوم فيها ،فمن الأشياء ما لايباع أو يشتري أو يقدر بثمن.

حول خيار الكفاح المسلح


 نشر بتاريخ: 03 تشرين1/أكتوير 2016



من المؤكد أن القمع الوحشي غير المسبوق الذي وأجهه حراك الجماهير السلمي المعارض أحزابا ونقابات ومنظمات مجتمع مدني منذ إنقلاب يونيو البغيض دفع القوي المعارضة لتبني خيار العمل المسلح لمواجهة السلاح بالسلاح،وأضحي هذا الخيار ميدانا من ميادين جبهات العمل المقاوم،ورغما عن أن لكثير من القوي السياسية المعارضه سابق تجارب في الكفاح المسلح، بل إن بعضها يعمل عليه كخيار رئيسي في منازلة الديكتاتوريات،ويحشد في سبيل ذلك طاقات وموارد، إلا أن هذا الخيار علي نبل مقاصده ومبرراته علي أرض الواقع،يظل أبعد الوسائل لتحقيق الغايات الكليه وأهمها إسقاط الديكتاتوريه القمعيه الحاكمة،كما انه أكثر الخيارات تكلفة وإيلاما بأثاره السالبه علي المجتمع والإنسان.
إن الكفاح المسلح عملية معقده ومكلفة في كل شي، في العمل العسكري نفسه، وفيما بعده، أو ما أصطلح علي تسميته الإدارة المدنيه للأراضي المحرره الواقعه تحت سيطرة الفصائل المسلحه،والتي تتطلب تقديم الخدمات للمواطنين في تلك المناطق،ومعلوم أن الأمداد وتقديم الخدمات للمواطنين في تلك المناطق أحد أصعب التحديات التي تواجه الفصائل المسلحه مابعد إنتصارها العسكري،هذا ناهيك عن التكلفة الإقتصادية العالية للعمل المسلح نفسه من معسكرات التدريب والتسليح ،وماتتطلبه من إحتياجات أساسية من غذاء ودواء ولباس وغيرها من الضروريات ، هذه الإحتياجات المكلفة قد تفتح المجال لتقاطعات دولية وإقليميه ربما تتعارض ومصالح قضايا الوطن والتي من أجلها تم رفع السلاح.
إن تجربة النضال المسلح للقوي المعارضه ضد السلطة الشمولية الحالية منذ تسعينيات القرن الماضي، وإن لم تكن التجربة الأولي في تاريخ وطننا الحديث في مناهضة الديكتاتوريات عبر السلاح مابعد جلاء المستعمر،فإنها علي الدوام وبمختلف تجاربها وظروفها وجبهاتها قد أثبتت أن ميزان القوه الماديه في مصلحة الدكتاتوريات التي تمتلك موارد دوله تعينها علي شراء السلاح والحشد والتدريب والإمداد والإسناد بأضعاف أضعاف مما تملك أو تستطيعه المعارضة المسلحه،مما يعطي السلطه الحاكمة أفضليه في الميدان علي المعارضة المسلحه،والواقع أن حروب الإستنزاف تؤثر سلبا علي المواطن البسيط إقتصاديا وإجتماعيا ونفسيا بأضعاف أضعاف مما تؤثر في الطفيلية الحاكمه أفرادا وأحزابا ومؤسسات،إن المواطن المغلوب علي أمره هو من يتحمل تمويل ومرارات هذا الخيار المدمر،هذا بالاضافة إلي أن المزاج الغالب لشعبنا في مناهضة الديكتاتوريات هو خيار العمل السلمي الجماهيري المقاوم إنتفاضة كان أم عصيانا أم إضرابا عاما ،ولشعبنا في ذلك إرث غني وتقاليد رأسخه،وبالضرورة فان إثراء الحراك الديمقراطي والوعي به في مجتمعنا سيكون أجدي وأعمق إن تم بوسائل ديمقراطيه تحقق الأهداف العليا بفعالية وتكلفة أقل متي ما كان مخططا لها بعناية وجدية.
إن العمل السياسي الجماهيري السلمي المعارض مكفول بحق القانون والدستور في أغلب دول العالم ،لهذا فان قمع أي حراك سلمي مناهض يعري النظام ويفقده مناصريه محليا وإقليميا ودوليا،وتكسب المعارضة تعاطفا أقوي في كل الجبهات، لهذا يسعي النظام دائما لإستدراج القوي المعارضه الي فخ العمل المسلح حتي تفقد مناصريها وتضعف قضيتها والتعاطف معها داخليا وخارجيا،بل ويجتهد في تصويرها علي أنها من تسعي للحرب، ويصفها بمخلب دولي يعيق نهضة الوطن،هذه الدعاوي علي مافيها من خطل وضعف الحجه الإ أنها تؤثر في الوعي السياسي لأغلبية غير ناضجة ،هذا بالاضافة إلي أن مردود العمل السياسي السلمي الجماهيري أكبر وأعظم تاثيرا، ودونكم ما أحدثته هبة سبتمبر المجيده من تعاطف محلي وخارجي، وما أفرزته من تصدعات في بنية النظام المادية والأخلاقية ،بل وكشفت للجميع عن الوجه الحقيقي القبيح للطفيلية المتوحشة الحاكمة ،حيث توالي سقوطها الاخلاقي وزيف شعاراتها المتدثرة بعباءة الدين والاخلاق الكريمه وهي تفتح النار وتحصد أرواح الأبرياء العزل ،وتضرب بحرمة الروح والدم عرض الحائط،وقد يقول قائل لماذا لانواجه السلاح بالسلاح حتي لانقتل مثلما قتل غيرنا في هبة سبتمبر وماقبلها ومابعدها مماهو محفوظ في سجل العار لهذه الطغمة الحاكمه؟والاجابة ببساطه إن أي تغيير سلمي قد يستدعي تضحيات،علي أن شهداء العمل السلمي الجماهيري يجدون تعاطفا أكبر من شهداء العمل المسلح،كما أن إستخدام السلاح ضد العزل المسالمين يوقظ الأغلبية السلبية للإنحياز والتحرك بايجابية في لحظة يصبح السكوت بعدها وخزا دائما في ضميرها الحي، فتتساوي رغبتها في الموت مع رغبتها في الحياه، ويصبح الخلاص هوالمطلب ولاسواه،هذا الإنفجار لن يحدث الا عندما يستفز الضميرالجمعي، كأن يري مثلا مواطنا مسالما صريعا في دمه بلا ذنب جناه ،وألة القمع الوحشية مستمرة في قتله،في مثل هذه الحالات تتخلق الثورات وتحدث التحولات الكبري في المجتمعات،ودماء القرشي التي أطاحت بالفريق عبود درس لمن ينسي أويشكك .
ختاما أدعو كل قادة الحركات المسلحة لمراجعة تجربة العمل المسلح وجدواه بشكل أمين وشفاف،والتخلي عن هذا الخيار المكلف وغير المثمر والمؤلم علي المجتمع وإنسانه لصالح الوطن ومواطنه أولا،ولصالح خيار العمل الجماهيري السلمي الصبور بين الجماهير، وصولا لوعي سياسي عام ينبذ العمل المسلح،ويعلي من قيم النضال السلمي الواعي، ويثري التجربة الانسانية السلمية المقاومة علي طريق شاق وظافر بالسلام والديمقراطية والتنمية العادلة الشاملة.

القناع




تفتح الصباح
وأخضرَت المقل
وطلَ فى سناها
جذوة الكفاح
بارق الامل
لنا البشر
ضحكة تطاول السماء بُرهة
ريثما يطوف فى صداها
طائف الدموع
مأتم
وساعة من الشرود
كم توسدت ألم

هى الحياة
تبرجت شموسها
فى باحة الأفق
وأُخضبت دماءنا
فأصبغ الشفق

هى الحياه
تفتحت زهور الياسمين
وأخضرَت الربى
مفاتن القرى
وعمَ المدينة الصخب
تفتحت وكم تقيحت
بسارقى العرق

هى الحياه
ما أسرع المغيب
لحكمة
روحنا قديمة
وحيدة نقيض
حلقت بيننا
وكم تبادلت جسد
تفتح الصباح
وأخضرَت المُقل.

يونيو 2006


تأملات ميت



هل هدأت ساعة
من فورة السباق
وأتكأت لجة التأمل العميق
نافذا الى حياتنا
بحلوها مرها
نورها ظلامها
حياتنا مماتنا النشيط
هكذا رحلة الحياة
ميت نشيط
يا ضعفنا فى سجننا الكبير
في قبرنا النشيط
في قالب المياه والهواء
والصخور والحديد
يا أرضنا يا سماء غيرنا
يا نجاة كائن آخر وضيع
فبراير 2007


السودان: طال ليل الإنتقال.


 نشر بتاريخ: 03 تشرين2/نوفمبر 2018


يعيش السودان منذ إستقلاله وحتي الأن مرحلة المجتمع الإنتقالي في كل نشاطاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها؛ والمجتمع الإنتقالي هو درجة وسيط بين مرحلة المجتمع البدائي ومرحلة المجتمع المتقدم ؛ وقد حدد عالم الإداره الأمريكي فرد رجز سمات المجتمع الإنتقالي بأنه مجتمع إنتقائي في تطبيق القانون؛ وأن توزيع الخدمات فيه غير عادل ؛وأنه يعج بالفساد الاداري وبوجود مراكز قوي واضحة في المجتمع تغلب الشخصي علي العام .وباسقاط سمات المجتمع الانتقالي سالفة الذكر علي وأقعنا نجدها متطابقة تماما مع مايحدث في السودان منذ الاستقلال وحتي الأن،ذلك من واقع سيطرة مجموعات المصالح التي تتبادل السلطة ونموذجها الانتقالي فيما بينها ،و تتوارث الفشل سياسيا وإقتصاديا وثقافيا وإجتماعيا؛ وهي باتفاقها علي حماية مصالحها تتجاوز فيما بينها تباينات العرق والدين والسياسة، وإن إختلفت ظاهريا أدواتها المعبرة عنها كأحزابها السياسية مثلا ، يسندها دعم مستمر من جماعات (لوبيات) تنشط علي المستوي القاعدي في المجتمع في تنظيمات غير رسمية تدعم إستمرار ثقافة حالة الانتقال، وتروج لها وتقف حجر عثرة في طريق الوعي بمجتمع القانون والمواطنة والحداثة،وهي علي خلافها كجماعات فيما بينها في بعض المصالح، إلا أنها تتفق ضمنا وسلوكا علي الهدف الاستراتيجي وهو إستمرار رعاية المجتمع الانتقالي الذي يضمن لها السيطرة علي التأثير في المجتمع ،مما يسهل عليها إستمرار جني المكاسب الخاصة تبعا لاستمرار حالة الانتقال ،وكل ما زادت فترة الانتقال كلما زادت مكاسب هذه المجموعات،وهي تدفع دائما في إتجاه عدم تشكل كتلة متماسكة وواعية ومنظمة وفاعلة ومستقلة عنها ذات رؤيه وأهداف وبرامج موحدة، بل وأحيانا تنقلب هذه النخب علي مرحلة الانتقال نفسها إذا هددت مصالحها وترجع بمجتمعها القهقري للمرحلة البدائية ،بل وتبرر لذلك، كما يتضح سياسيا في تبرير نخب الجماعة الحاكمة لإنقلاب يونيو المشؤوم ،ومامثله هذا الانقلاب من ردة علي تطور السودان في كل المجالات خاصة تطور نظامه السياسي،وماتبرزه بجلاء المساعي المحمومة لتعديل الدستور السوداني ، علما أن الدستور الحالي نفسه دستور إنتقالي ؛ كما لاتتردد بعض هذه النخب حتي ولو كانت في الصف المعارض ظاهريا في إنقاذ مجموعة الانتقال الحاكمة في اللحظة التاريخية الفاصلة لان الجماعة الحاكمة تعبر حقيقة عن استمرار المصالح الذاتية لتلك النخب التي تتدثر زيفا ثوب المعارضة، وموقفها المعارض في نفسه جزء من خطط مرحلية تهدف للسيطرة الكاملة علي فضاء الحياة العامة ،وعدم إفساح المجال لتخلق بدائل حقيقية جديدة تهدد إستمرارها وبقاء نموذجها الانتقالي ، والشاهد أننا نلاحظ تقاربا متكررا ومملا ومدروسا لبعض النخب معارضة وحاكمة في وطننا كلما أطبقت الأزمة علي النموذج الانتقالي وقياداته المرحلية ؛هذا التقارب يضعف معظم المساعي الصادقة لبعض كيانات المجتمع الداعية بصدق للعبور بوطننا من حالة الانتقال الاقتصادي عبر وسائل الانتاج التقليدية إلي فضاء الصناعة والابتكار، ومن شمولية سياسية الي ديمقراطية تعددية ،ومن حالة السيولة الي دولة القانون، ومن دستور الفرد والنخبة الي دستور الشعب والأمة ، ومن دولة التمييز الي دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية، حيث الأولوية للخدمات كتطوير الرعاية الصحية وجودة والزامية التعليم وتشجيع البحث العلمي ودعمه، والاهتمام بقضايا التغذية وتحقيق الاكتفاء الذاتي في كل إحتياجات المواطن الأساسية، ورفع الوعي بقضايا البيئة وتغيرات المناخ .
هذا التحول لن يحدث في ظل سيطرة نخب المجتمع الانتقالي علي الفضاء العام حكومة ومعارضة ؛ودفاعها المستميت عن بقاء وديمومة النموذج الانتقالي، فمعركة البقاء وضرورة إستمرار مصالحها التي يعبر عنها النموذج الانتقالي تحتم عليها دائما الوقوف مع من يمثل قيادة المجتمع الانتقالي، حتي ولو كان ذلك في تعارض تام مع شعارات ظلت ترفعها وترددها لعقود عن سعيها لدولة القانون و المواطنة واحترام حقوق الانسان.
ماسبق تشخيص أولي وعام لما نشهده في وطننا منذ الإستقلال وحتي الأن ،وقد طال بشعبنا ليل الانتقال؛ و واقع الحال يفرض دراسة علمية دقيقة وشاملة للنموذج الانتقالي ونخبه التي تعبر عنه ،علي إختلاف منابرها وأدواتها والتي عبرها تعيق تطور مجتمعنا ،وتساهم في طول أمد النموذج الانتقالي ،وتنتج وأقعا مأزوما وقابلا في أي لحظة للارتداد إلي بدائية لا تعبر عن روح العصر ومطلوبات الدولة المدنية الحديثة ،مع ضرورة تحليل الفشل الذاتي لمجتمعنا في الخروج من إسار هذه المرحلة لمجتمع متقدم، وقدرة مجتمعنا علي تكوين كتلة واعية ومنظمة وفاعلة ومستقلة ومتمددة تدير الصراع بشكل قانوني وتضغط دائما في إتجاه تصاعدي نحو أفق المجتمع المتقدم ،وتحرس وطننا من أي ردة محتملة عن قيم دولة القانون والديمقراطية والتنمية المستدامة.

الحق في الإنتخاب..وماذا عن الحقوق الدستورية الأخري؟!!!


نشر بتاريخ : 27/4/2015



  سكن ضجيج إنتخابات التمديد للحاكم العسكري،و إعلام التضليل يردد في مثابرة الببغاء  طوال فترة الإنتخابات، وحتي الأن ،عن أن الإنتخابات حق دستوري ،لهذا يجب علي الشعب أن  ينتخب،دون أن يجتهد قليلا ويوضح لنا، كيف نأتمن من قام بانقلاب عسكري علي نظام ديمقراطي حر ومنتخب علي أصواتنا، وعلي عملية إنتخابات هو فيها الخصم والحكم؟!! ،وكيف ننافس من تسخر له كل مقدرات وإمكانيات  الدولة السودانية، ونطمح في أن تكون الإنتخابات متكافئة و شفافة ونزيهة؟!!.

 المهم أن ننتخب،هكذا يردد إعلام الإفك والتضليل، فالفائز بالإنتخابات معلوم قبل أن تبدأ،والسجل الإنتخابي معد لذلك ،وأوراق الإقتراع صممت لذلك ،وماعلينا الإ أن نكبد أنفسنا مشقة الوصول لأي من مراكز الإقتراع،حتي تكتمل فصول المهزلة،وفي حالة عدم القدرة علي الوصول الي أي من مراكز الإقتراع، فلن يضيع حقك في التصويت ،فهذا هو الحق الدستوري الوحيد الذي لايقبل تأجيلا أو مقاطعة أو أعذارا،ثق لن يضيع حقك،فهناك من ينوب عنك ليصوت لك، وإن كنت في ذمة الله،فالأموات لهم حق الإقتراع!! ،وربع قرن من عمر شعبنا بسيطة،ولم تعطي عرقوبا الوقت الكافي بعد، لينفذ كل أفكاره وسياساته و وعوده !!،فليمدد له بخمس سنوات عجاف، يتبعهن خمس عجاف إلي أن يريحنا ملك الموت، أو يريحنا نافخ الصور، أو يقول شعبنا كلمته، وهذا مانعمل له ونأمل.

   الإنتخاب حق دستوري ،لاشك في ذلك،ولكن ماذا عن الحقوق الدستورية الأخري ،كحرية التعبير والإعلام، وحرمة التعذيب ،والحق في الحياة الحرة الكريمة ،والحرية الشخصية ،والخصوصية ،وحق التقاضي، والمحاكمه العادلة ،والمساواة أمام القانون، والحق في التنظيم والتجمع، والعدالة الإجتماعية،بل إن هذه الحقوق منصوص عليها قبل حق الإقتراع في دستور السودان الإنتقالي للعام 2005،كما  أن أي انتهاكات لأي من هذه الحقوق، تجعل من حق الإقتراع حقا ناقصا ،لاتتوفر له كل الشروط اللازمة لتمامه وصحته.

   وعلي كل، نتمني أن نسمع من إعلام التضليل حرصا على الحقوق الدستورية  الأخري ، وأن لايتوقف حديثهم عن الحقوق عند هذه المحطة فقط.كما ندعو الأمن والشرطة والجيش الي توخي ذات الحرص في المحافظة علي الحقوق الدستورية الأخري، وحفظ الحقوق المدنية لكل الشعب كاملة،فالحقوق لا تتجزأ.

 والمقال، لن يخوض في جدال عقيم عن الإطار القانوني الذي شرع لقيام هذه المهزلة الإنتخابية،أو شرعية الدستور الإنتقالي حاليا أو قانونية ترشيح البشير،لكنني  فقط  أدعو من إحتكم وإرتضي بذاك الدستور حكما ،وبذاك المرشح فائزا ،أن يتمسك بالحقوق الدستورية الأخري المنصوص عليها في ذات الدستور،وفي كل المواثيق التي شكلت إطارا قانونيا لهذه المسرحية العبثية،وحقا ،إنها لاتعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور.





 

حول وثيقة الحقوق في دستور السودان لعام 2005 .


 نشر بتاريخ: 15 كانون2/يناير 2019


نص الفصل الثاني الخاص بوثيقة الحقوق في دستور السودان لعام 2005 علي جملة من الحقوق التي يكفلها الدستور كعهد بين الشعب وحكومته ،ويجب فيه علي الدولة بمؤسساتها المختلفة حماية هذه الحقوق وعدم الانتقاص منها.
وهذه الحقوق تشمل الحق في الحياة والكرامة الانسانية والحرية الشخصية وحرمة الرق والسخرة و المساواة امام القانون وحقوق المرأة والطفل وحرمة التعذيب والحق في المحاكمة العادلة والحق في التقاضي وتقييد عقوبة الاعدام ،وتكفل الوثيقة أيضا حماية الخصوصية وحرية العقيدة والعبادة وحرية التعبير والاعلام وحرية التجمع والتنظيم وحق الاقتراع وحرية التنقل والإقامة، كما تحفظ الوثيقة حق التملك والحق في التعليم وحقوق المسنين وذوي الحاجات الخاصة، وتضمن الحق في الرعاية الصحية العامة وتحفظ حقوق كل المجموعات العرقية والثقافية، وتختم الوثيقة بالنص صراحة علي ضرورة حماية الحكومة لهذه الحقوق وحرمة إنتقاصها.
وتتعرض وثيقة الحقوق لامتحان عملي قاس ومحنة حقيقية في ظل هذا النظام الديكتاتوري ، وتزداد الانتهاكات يوما بعد يوم مع تصاعد إنتفاضة شعبنا الباحث عن حقوقه في الحياة الحرة الكريمة والعدالة الاجتماعية والمساواة والديمقراطية .
وعلي وجه الخصوص يتعرض الحق في الحياة والحرية الشخصية وحق حرية التجمع والتنظيم وحماية الخصوصية وحرية التعبير والإعلام وحق حرمة التعذيب لتجاوزات صادمة وانتهاكات جسيمة مستمرة تستدعي وقفة الجميع لحماية الحقوق الدستورية لشعبنا في مواجهة ألة قمع النظام الوحشية وإيقاف هذه الجرائم فورا ومحاسبة المتورطين فيها والتزام الجميع بالعمل علي منع تكرار حدوث هذه التجاوزات مستقبلا.
والواجب يحتم التذكير بهذه الحقوق الدستورية، ودعوة كل من له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد ، خاصة قضاة المحكمة الدستورية و مفوضية حقوق الانسان وكل المؤسسات مدنية و عسكرية للانحياز الي جانب حماية حقوق الشعب في مواجهة إجحاف وتسلط وظلم الحاكم، وانها لاتعمي الابصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور.

حول أزمة الإسكان في ولاية الخرطوم .


 نشر بتاريخ: 15 تشرين2/نوفمبر 2018

إن الحق في السكن اللائق حق إنساني تقره المواثيق الدولية كحق أساسي للإنسان لايقبل المساومة أو الخضوع لاهواء من يستثمرون في معاناة الناس ؛ وقد نص العهد الدولي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية بالحق في السكن والمأوي اللائق ؛ والسودان ضمن الدول التي صدقت علي هذه الوثيقة منذ مارس في العام 1986 ويشمل الحق في السكن المناسب توفير الأمن والخدمات والبنية التحتية وسهولة الوصول للمسكن والموقع المناسب وصلاحية السكن وتكلفته المقبولة. كما جاء ذكر الحق في السكن اللائق ضمن حقوق أخري تضمن الحق في العيش بصحة و كرامة في الماده 25 من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ورغما عن توفر الأراضي الصالحة للسكن في ولاية الخرطوم ،إلا أن الخرطوم تعاني من إرتفاع أسعار الأراضي السكنية بشكل مبالغ فيه، يجعل من العسير علي محدودي الدخل إمتلاك مسكن أو قطعة أرض صالحة للسكن ،هذا مع إرتفاع قيمة إيجارات المنازل؛ وسط طلب متزايد للسكن في العاصمة جراء النزوح الجماعي من الريف بسبب الحرب والتنمية غير المتوازنة، بالاضافة للزيادة الطبيعية في عدد السكان ،كل هذه المعطيات ساهمت في تمدد ظاهرة السكن العشوائي في العاصمة وإفرازاتها السالبة علي الصحة والأمن والبيئة، مما يتطلب وضع إستراتيجية علمية لمعالجة أزمة السكن بشكل جذري قياسا علي توفر الأراضي الصالحة للسكن في ولاية الخرطوم ،وقدرتها علي إستيعاب الطلب الحالي والمتوقع مستقبلا في حال أحسنت الحكومة إدارة قضية الاسكان بشكل علمي سليم يراعي مصلحة محدودي الدخل ،ومع تقدير الجهود المبذولة من قبل صندوق الإسكان والتعمير في ولاية الخرطوم في حل مشكلة الإسكان إلا أن ماتم إنجازه لايزال دون المطلوب، مما يتطلب تخصيص ميزانيات أكبر لمعالجة مشكلة سكن محدودي الدخل ، وإعتماد خطط سكنية تقوم علي التوسع الرأسي وذلك ببناء أبراج سكنية تستوعب أعدادا أكبر من الأسر محدودة الدخل ،وتملك لهم هذه الشقق بنظام الايجار المنتهي بالتمليك. ويمكن أيجاد مساحات من الاراضي السكنية في مواقع مناسبة وقريبة من مراكز الخدمات خاصة خدمات المواصلات والاسواق داخل الولاية وتكون صالحة لخطط التوسع الرأسي لمحدودي الدخل بدلا عن المواقع النائية غير المزودة بالخدمات والأمن التي يخطط فيها صندوق الإسكان والتعمير الولائي مشاريعه ، كما يمكن دراسة إستخدام مواد وتكنولوجيا البناء الحديثه وخياراتها المتعدده،والتي بحسب دراسات علمية تساهم في خفض تكلفة البناء بنسبة 40% كما تختصر وقت التشييد لوقت قياسي،مقارنة باستخدام مواد وتقنيات البناء التقليدية المتعارف عليها محليا، مما يساهم في تقليل التكلفة الكلية فينخفض تلقائيا سعر المسكن، ويصبح في متناول محدودي الدخل.
وتبرز الحاجة لتبني نمط التوسع الرأسي ( العمودي) في التخطيط العمراني خاصة في ولاية الخرطوم ،رغما عن أن ذوق الساكن السوداني يميل الي التوسع الأفقي الذي إعتاد عليه، ذلك أن واقع الحال ومستقبله يؤكدان أن لا مفر من تبني هذا النمط في العمران؛ خاصة مع الزيادة المضطردة في تعداد السكان.كما أن التوسع الرأسي أقل تكلفة إقتصادية في إمداد الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء والصرف الصحي والنظافة،و التوسع الرأسي يساهم في توفير وحدات سكنية لعدد أكبر من السكان كلما زاد ارتفاع المبني وعدد طوابقه ،وهذه ميزة أساسية لايوفرها التوسع الأفقي، مما يساهم ذلك في خفض الطلب علي الاراضي السكنية والمنازل، وقد يقود الي انخفاض سعر الاراضي والعقارات، كما يمكن التحكم بشكل أكبر في واجهات التوسع الراسي لإعطاء ميزة جمالية للعمران.
ختاما أتمني أن تجد مشكلة الإسكان في السودان بشكل عام وفي ولاية الخرطوم علي وجه الخصوص حقها في الدراسة الفنية من قبل أهل الاختصاص من مهندسين وإقتصاديين ،وذلك لأهمية القضية وتاثيرها الاجتماعي والإقتصادي ، وأن تعقد ورش عمل ومؤتمرات لمناقشة هذه القضية المحورية ،وأن تجد التوصيات الفنية الدعم والاهتمام من قبل صناع السياسات في الأحزاب السياسية حكومة و معارضة علي حد السواء، وذلك بهدف حل مشكلة الإسكان بشكل مستدام ومطابق لشروط السكن اللائق خاصة لشريحة محدودي الدخل.

الباعة الجائلون: صراع القانوني والإنساني



 نشر بتاريخ: 10 تشرين2/نوفمبر 2018


تحظر القوانين المحلية في السودان نشاط الباعة الجائلين باعتباره نشاطا غير مرخص به، و يهدد صحة المستهلك لصعوبة رقابة صلاحية البضائع والخدمات المعروضة للبيع في الطرقات والساحات العامة؛ وعدم خضوع البائع نفسه لكشف طبي يثبت خلوه من الأمراض المعدية، وغياب إجراءات السلامة الخاصة بالمنتج أو الخدمة المعروضة للبيع، كما أن هذا النشاط الاقتصادي غير الرسمي يضر بشريحة التجار المنتظمة التي تدفع ضرائب وتتحمل تكاليف ثابتة من إيجارات للمحال التجارية والمخازن وسداد لرسوم الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء والنظافة وغيرها من الرسوم،

وتقدم نشاطا إقتصاديا منظما خاضعا لرقابة القانون وسلطته ،هذا بالإضافة إلي مايمكن أن يلحقه هذا النشاط  غير المنظم من إضرار بنظافة البيئة التي ينشط فيها،وغيرها من المهددات .

         بينما يري الباعة الجائلون أنهم ضحايا الحملات الأمنية من قبل السلطات، وأن المعالجات الأمنية ليست هي الحل ولن تكون الحل المناسب لقضيتهم ، وأن مشكلتهم تكمن في غياب إستراتيجية حكومية وأضحة للتعامل معهم لتنظيم مهنتهم من قبل السلطات أسوة بجميع المهن والنشاطات الاقتصادية الأخري، ذلك أن نشاطهم يصب في إنعاش التجارة الداخلية، وأن نشاطهم يلقي قبولا من أغلب المستهلكين لأن أسعارهم منخفضة مقارنة بأسعار التجار المنتظمين حيث لاتتضمن أسعارهم إضافة أي تكاليف ثابتة لهذا تلقي إقبالا ؛ وأن إيقاف نشاطهم في بلد يعاني من النزوح الداخلي للعاصمة والمدن الكبري بحثا عن الأمن والخدمات بسبب الحرب والتنمية غير المتوازنة يعني إزديادا في معدلات البطالة كون أن هذا النشاط الاقتصادي غير الرسمي يحصن الألاف من شر البطالة وأثارها  السالبة علي المجتمع، كما أن معظمهم لايمتلك رأس المال الكافي لتحمل تكاليف ثابتة كايجار محل أو دفع ضرائب أو تكاليف خدمات أخري ؛ وأن أرباحهم من هذا النشاط الاقتصادي بالكاد تغطي إحتياجاتهم الاساسية من مأكل وملبس ومسكن.

         ومابين القانوني والإنساني تبرز الحاجة لتنظيم هذه المهنة، وقيام نقابة خاصة بالباعة الجائلين تدير و تحمي منتسيبها، وتسعي لتطوير  أدوات عملهم وضمان سعيهم في بيئة عمل صحية لهم ولمستهلك بضائعهم ،وأن تقنن السلطات الحكومية هذا النشاط ،وتصدر قانونا منظما له؛ وتمنح مهنتهم تراخيص بشروط وضوابط ميسرة ،و رسوم سنوية مناسبة تحصل من كل بائع متجول عند تجديده الرخصة في كل عام؛ مع تخصيص أسواق اليوم الواحد دعما وتنظيما لهذا النوع من النشاط، وأن توضع خارطة بالاتفاق مع الباعة الجائلين توضح الاوقات والأسواق المسموح فيها بالنشاط؛ وأن تحدد أيضا الاوقات والاماكن المحظور فيها ممارسة هذا النشاط الاقتصادي، ولائحة الغرامات الخاصة بأي تجاوزات للقانون أو لما أتفق عليه مع من يمثل المهنة،ومن المهم أن يوازن أي قرار حكومي بين ضمان حق الباعة الجائلين في العمل ،وبين تحرير الشارع العام من تعدي هذا النشاط غير المقنن وإفرازاته السالبة.

           ختاما لابد من دراسة تجارب الدول الأخري التي تصدت لتقنين هذا النشاط الاقتصادي غير الرسمي؛ والاستفادة من التجارب الناجحة في هذا الشأن ؛كون أن هذه الظاهرة لاتقتصر علي السودان وإقليمه فقط ؛ بل تتعداه لتصبح ظاهرة عالمية تتمدد في أغلب طرقات وساحات مدن العالم ، وتتناسب طرديا حيثما وجدت نسب مرتفعة من البطالة في المجتمع  المعين وغياب للتشريعات التي تحفظ حق الجميع في العمل بمايتناسب وقدراتهم الاقتصادية.