الأحد، 15 مايو 2022

حول ضرورة تغيير العملة السودانية

 


                 

 


منذ إندلاع ثورة ديسمبر المجيدة إرتفعت الأصوات المنادية بضرورة تغيير العملة السودانية لأسباب أمنية وإقتصادية وسياسية وثقافية وإجتماعية . ولعل أبرز تلك الأسباب هو ضمان أمن وحماية وصحة العملات السودانية كأولوية قصوي لانها الحلقة الأهم في الإقتصاد والاستثمار خاصة من مهددات ومخاطر التزييف والتقليد والتزوير التي تؤثر سلبا علي الأمن الاقتصادي ، وللاستفادة من الطفرة التكنولوجية العالمية الهائلة التي حدثت مؤخرا في مجال مواد وتقنيات طباعة العملات وتتبعها وحصر الكتلة النقدية ومساراتها ، وتأمينها بعلامات معقدة ومبتكرة تجعل من الصعب تزييفها أو تزويرها ، علما أن محاضر وضبطيات الشرطة السودانية قد شهدت إرتفاعا في معدلات جرائم تزييف العملة السودانية الحالية وتزويرها ، ومايترتب علي ذلك من إضرار كبير بالاقتصاد السوداني ، ويعرف القانون تزييف العملة أو تقليدها أو تزويرها بأنه إنتاج نقود دون تفويض قانوني من دولة أو حكومة ، حيث تضعف النقود المزيفة قوة العملة الأصلية محليا وعالميا فيقل الطلب عليها و التجارة والتبادل بها نتيجة لفقدان الثقة في التعامل بها، وتزيد العملات المزيفة المعروض من العملة مما يضعف قيمتها الشرائية ويزيد من معدلات التضخم بل ويؤثر سلبا في قدرة الدولة علي الإصلاح الإقتصادي ، كما تؤثر سلبا علي المستهلك وتلحق الخسائر النقدية بالشركات ، كما أن تزييف العملة وتزويرها ينعش  الجريمة المنظمة ويساهم في تمويلها كجرائم المخدرات و الإتجار بالبشر والتجارة غير المشروعة للسلاح وجرائم الإرهاب.

و تغيير العملة السودانية يدعم  الاصلاح الأقتصادي من خلال جذب الكتلة النقدية من السوق الموازي الي القنوات الرسمية في الدولة مما يؤثر إيجابا في توسيع إمكانيات وفرص الاستثمار وزيادة التحصيل الضريبي ، بل وحتي في التخطيط الاقتصادي السليم المبني علي معلومات صحيحة ، خاصة أن هناك أراء إقتصادية تشير إلي إرتفاع كبير في نسبة المتداول من العملات السودانية في السوق الموازي ، وإجراء تغيير العملة خطوة أولي لاجبار السوق الموازي علي الاندماج في القنوات الرسمية ، علي أن تبحث الدولة الوسائل التي تحفز السوق الموازي علي الاندماج المستديم ضمن القنوات الرسمية.كما أن إنخفاض قيمة الجنيه السوداني بسبب التضخم الجامح يتطلب معالجة الاسباب الحقيقية للتضخم من خلال تشجيع الإنتاج المحلي والاستغلال الأمثل للموارد الاقتصادية وخفض الإنفاق الحكومي وتقليل الواردات وتشجيع الصادرات   وغيرها من السياسات ، إضافة الي مايلي العملة من إعادة تقييم لها وزيادة قيمتها ، (مثلا) بأزالة صفر من قيمة العملة السودانية لتصبح المائة جنيه من العملة الحالية تعادل عشر جنيهات من العملة الجديدة ، كما أن إعادة تقييم العملة السودانية وفئاتها يساهم في تقليل عدد أوراق النقد المطبوعة، وبالتالي يخفض من تكلفة طباعتها ، إضافة لذلك فأن سك عملة معدنية من فئات صغيرة كالجينه مثلا مع العملات الورقية ذات الفئات الأكبر يقلل أيضا من تكلفة الإصدار حيث أن متوسط عمر العملة المعدنية أطول بكثير من عمر العملات الورقية .

وإجمالا ، يدعم مسار تقوية العملة الوطنية  مايمتلكه السودان من ثروات وموارد طبيعية هائلة ومتنوعة ومنها الذهب مثلا والذي يمكن للدولة أن تبني إحتياطات مقدرة منه، لتعمل هذه الاحتياطات كغطاء للعملة السودانية يعزز من قوتها ، إضافة الي تشجيع وتعزيز القدرات الإنتاجية والتصديرية في البلاد وإصلاح الجهاز المصرفي كل ذلك يصب في إتجاه تحسين النمو الاقتصادي الذي ينعكس إيجابا علي قوة العملة السودانية. 

والعملة رمز للسيادة الوطنية وفي تصميمها وإختيار ألوانها ونقوشها وصورها ترميز إقتصادي و سياسي وثقافي وإجتماعي يعكس التطورات الشاملة التي تمر بها الدولة، وبعد ثورة ديسمبر المتجددة كانت الضرورة تفرض تغيير العملة السودانية القديمة وإستبدالها بعملة جديدة تعكس التطورات السياسية والثقافية والاجتماعية وتعبر عن قيم و تطلعات شعبنا في الدولة المدنية الديمقراطية وقيم الحرية والسلام والعدالة في السودان.

ولابد من الإشارة الي أن إجراء تغيير العملة يحوي علي سلبيات إضافة الي إيجابياته الغالبة في حالتنا السودانية ، فمن سلبيات تغيير العملة التكلفة العالية لطباعة العملة الجديدة والتي من المفترض أن تكون من الجودة والتقانة بحيث يصعب تزييفها أو تزويرها كما أن تغيير العملة يتطلب مراجعة وتحديث العقود والالتزامات القانونية والمالية علي مستوي الدولة والشركات والأفراد ، إضافة الي ضرورة الانتباه الي تعزيز معرفة وكسب ثقة رؤوس الأموال في العملة الجديدة وفوائد هذا الإجراء في زيادة كفاءة وفعالية النشاط الاقتصادي لان الثقة عامل هام في تشجيع رؤوس الأموال علي إيداع مدخراتهم بالعملة الوطنية بدلا عن تخزين ثرواتهم في الأصول و المعادن النفيسة أو بشراء العملة الصعبة كالدولار واليورو .

 وفي رأيي ، أن السودان في ظل الوضع الاقتصادي الحالي الذي يعاني من التضخم الجامح والواقع الأمني الذي تتصاعد فيه وتيرة جرائم تزييف العملة السودانية وماتمثله من تهديد لسلطة الدولة وللتبادل التجاري وللأمن القومي بشكل عام في حاجة لإجراء تغيير العملة السودانيه لما لهذا الإجراء من إيجابيات كثيرة مقارنة بالسلبيات.هذا مع تأكيد أن أجراء تغيير العمله لن يكون وحده قادرا علي الحد من الفساد والتهرب الضريبي أو التزييف أو غيرها من الجرائم الاقتصادية ما لم يتم إصلاح القطاع المصرفي بشكل مؤسسي وعلمي وجذري ، كما لن يكون هذا الإجراء كافيا لإعادة انطلاقة الاقتصاد ما لم تصاحبه سياسات تعزز من الإنتاج و الصادر وتقلل من الإنفاق والوارد.

وفي سياق عملية تغيير العملة  لابد من دراسة تجارب الدول التي قامت بتغيير عملاتها كالهند وتركيا والبرازيل والاستفادة من هذه التجارب الناجحة لتحقيق الأهداف المرجوة من هذه العملية بكل سلاسلة ومرونة وإتقان.‬


    



















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق