السبت، 1 أغسطس 2020

حول أزمة الإسكان في ولاية الخرطوم .


 نشر بتاريخ: 15 تشرين2/نوفمبر 2018

إن الحق في السكن اللائق حق إنساني تقره المواثيق الدولية كحق أساسي للإنسان لايقبل المساومة أو الخضوع لاهواء من يستثمرون في معاناة الناس ؛ وقد نص العهد الدولي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية بالحق في السكن والمأوي اللائق ؛ والسودان ضمن الدول التي صدقت علي هذه الوثيقة منذ مارس في العام 1986 ويشمل الحق في السكن المناسب توفير الأمن والخدمات والبنية التحتية وسهولة الوصول للمسكن والموقع المناسب وصلاحية السكن وتكلفته المقبولة. كما جاء ذكر الحق في السكن اللائق ضمن حقوق أخري تضمن الحق في العيش بصحة و كرامة في الماده 25 من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ورغما عن توفر الأراضي الصالحة للسكن في ولاية الخرطوم ،إلا أن الخرطوم تعاني من إرتفاع أسعار الأراضي السكنية بشكل مبالغ فيه، يجعل من العسير علي محدودي الدخل إمتلاك مسكن أو قطعة أرض صالحة للسكن ،هذا مع إرتفاع قيمة إيجارات المنازل؛ وسط طلب متزايد للسكن في العاصمة جراء النزوح الجماعي من الريف بسبب الحرب والتنمية غير المتوازنة، بالاضافة للزيادة الطبيعية في عدد السكان ،كل هذه المعطيات ساهمت في تمدد ظاهرة السكن العشوائي في العاصمة وإفرازاتها السالبة علي الصحة والأمن والبيئة، مما يتطلب وضع إستراتيجية علمية لمعالجة أزمة السكن بشكل جذري قياسا علي توفر الأراضي الصالحة للسكن في ولاية الخرطوم ،وقدرتها علي إستيعاب الطلب الحالي والمتوقع مستقبلا في حال أحسنت الحكومة إدارة قضية الاسكان بشكل علمي سليم يراعي مصلحة محدودي الدخل ،ومع تقدير الجهود المبذولة من قبل صندوق الإسكان والتعمير في ولاية الخرطوم في حل مشكلة الإسكان إلا أن ماتم إنجازه لايزال دون المطلوب، مما يتطلب تخصيص ميزانيات أكبر لمعالجة مشكلة سكن محدودي الدخل ، وإعتماد خطط سكنية تقوم علي التوسع الرأسي وذلك ببناء أبراج سكنية تستوعب أعدادا أكبر من الأسر محدودة الدخل ،وتملك لهم هذه الشقق بنظام الايجار المنتهي بالتمليك. ويمكن أيجاد مساحات من الاراضي السكنية في مواقع مناسبة وقريبة من مراكز الخدمات خاصة خدمات المواصلات والاسواق داخل الولاية وتكون صالحة لخطط التوسع الرأسي لمحدودي الدخل بدلا عن المواقع النائية غير المزودة بالخدمات والأمن التي يخطط فيها صندوق الإسكان والتعمير الولائي مشاريعه ، كما يمكن دراسة إستخدام مواد وتكنولوجيا البناء الحديثه وخياراتها المتعدده،والتي بحسب دراسات علمية تساهم في خفض تكلفة البناء بنسبة 40% كما تختصر وقت التشييد لوقت قياسي،مقارنة باستخدام مواد وتقنيات البناء التقليدية المتعارف عليها محليا، مما يساهم في تقليل التكلفة الكلية فينخفض تلقائيا سعر المسكن، ويصبح في متناول محدودي الدخل.
وتبرز الحاجة لتبني نمط التوسع الرأسي ( العمودي) في التخطيط العمراني خاصة في ولاية الخرطوم ،رغما عن أن ذوق الساكن السوداني يميل الي التوسع الأفقي الذي إعتاد عليه، ذلك أن واقع الحال ومستقبله يؤكدان أن لا مفر من تبني هذا النمط في العمران؛ خاصة مع الزيادة المضطردة في تعداد السكان.كما أن التوسع الرأسي أقل تكلفة إقتصادية في إمداد الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء والصرف الصحي والنظافة،و التوسع الرأسي يساهم في توفير وحدات سكنية لعدد أكبر من السكان كلما زاد ارتفاع المبني وعدد طوابقه ،وهذه ميزة أساسية لايوفرها التوسع الأفقي، مما يساهم ذلك في خفض الطلب علي الاراضي السكنية والمنازل، وقد يقود الي انخفاض سعر الاراضي والعقارات، كما يمكن التحكم بشكل أكبر في واجهات التوسع الراسي لإعطاء ميزة جمالية للعمران.
ختاما أتمني أن تجد مشكلة الإسكان في السودان بشكل عام وفي ولاية الخرطوم علي وجه الخصوص حقها في الدراسة الفنية من قبل أهل الاختصاص من مهندسين وإقتصاديين ،وذلك لأهمية القضية وتاثيرها الاجتماعي والإقتصادي ، وأن تعقد ورش عمل ومؤتمرات لمناقشة هذه القضية المحورية ،وأن تجد التوصيات الفنية الدعم والاهتمام من قبل صناع السياسات في الأحزاب السياسية حكومة و معارضة علي حد السواء، وذلك بهدف حل مشكلة الإسكان بشكل مستدام ومطابق لشروط السكن اللائق خاصة لشريحة محدودي الدخل.

الباعة الجائلون: صراع القانوني والإنساني



 نشر بتاريخ: 10 تشرين2/نوفمبر 2018


تحظر القوانين المحلية في السودان نشاط الباعة الجائلين باعتباره نشاطا غير مرخص به، و يهدد صحة المستهلك لصعوبة رقابة صلاحية البضائع والخدمات المعروضة للبيع في الطرقات والساحات العامة؛ وعدم خضوع البائع نفسه لكشف طبي يثبت خلوه من الأمراض المعدية، وغياب إجراءات السلامة الخاصة بالمنتج أو الخدمة المعروضة للبيع، كما أن هذا النشاط الاقتصادي غير الرسمي يضر بشريحة التجار المنتظمة التي تدفع ضرائب وتتحمل تكاليف ثابتة من إيجارات للمحال التجارية والمخازن وسداد لرسوم الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء والنظافة وغيرها من الرسوم،

وتقدم نشاطا إقتصاديا منظما خاضعا لرقابة القانون وسلطته ،هذا بالإضافة إلي مايمكن أن يلحقه هذا النشاط  غير المنظم من إضرار بنظافة البيئة التي ينشط فيها،وغيرها من المهددات .

         بينما يري الباعة الجائلون أنهم ضحايا الحملات الأمنية من قبل السلطات، وأن المعالجات الأمنية ليست هي الحل ولن تكون الحل المناسب لقضيتهم ، وأن مشكلتهم تكمن في غياب إستراتيجية حكومية وأضحة للتعامل معهم لتنظيم مهنتهم من قبل السلطات أسوة بجميع المهن والنشاطات الاقتصادية الأخري، ذلك أن نشاطهم يصب في إنعاش التجارة الداخلية، وأن نشاطهم يلقي قبولا من أغلب المستهلكين لأن أسعارهم منخفضة مقارنة بأسعار التجار المنتظمين حيث لاتتضمن أسعارهم إضافة أي تكاليف ثابتة لهذا تلقي إقبالا ؛ وأن إيقاف نشاطهم في بلد يعاني من النزوح الداخلي للعاصمة والمدن الكبري بحثا عن الأمن والخدمات بسبب الحرب والتنمية غير المتوازنة يعني إزديادا في معدلات البطالة كون أن هذا النشاط الاقتصادي غير الرسمي يحصن الألاف من شر البطالة وأثارها  السالبة علي المجتمع، كما أن معظمهم لايمتلك رأس المال الكافي لتحمل تكاليف ثابتة كايجار محل أو دفع ضرائب أو تكاليف خدمات أخري ؛ وأن أرباحهم من هذا النشاط الاقتصادي بالكاد تغطي إحتياجاتهم الاساسية من مأكل وملبس ومسكن.

         ومابين القانوني والإنساني تبرز الحاجة لتنظيم هذه المهنة، وقيام نقابة خاصة بالباعة الجائلين تدير و تحمي منتسيبها، وتسعي لتطوير  أدوات عملهم وضمان سعيهم في بيئة عمل صحية لهم ولمستهلك بضائعهم ،وأن تقنن السلطات الحكومية هذا النشاط ،وتصدر قانونا منظما له؛ وتمنح مهنتهم تراخيص بشروط وضوابط ميسرة ،و رسوم سنوية مناسبة تحصل من كل بائع متجول عند تجديده الرخصة في كل عام؛ مع تخصيص أسواق اليوم الواحد دعما وتنظيما لهذا النوع من النشاط، وأن توضع خارطة بالاتفاق مع الباعة الجائلين توضح الاوقات والأسواق المسموح فيها بالنشاط؛ وأن تحدد أيضا الاوقات والاماكن المحظور فيها ممارسة هذا النشاط الاقتصادي، ولائحة الغرامات الخاصة بأي تجاوزات للقانون أو لما أتفق عليه مع من يمثل المهنة،ومن المهم أن يوازن أي قرار حكومي بين ضمان حق الباعة الجائلين في العمل ،وبين تحرير الشارع العام من تعدي هذا النشاط غير المقنن وإفرازاته السالبة.

           ختاما لابد من دراسة تجارب الدول الأخري التي تصدت لتقنين هذا النشاط الاقتصادي غير الرسمي؛ والاستفادة من التجارب الناجحة في هذا الشأن ؛كون أن هذه الظاهرة لاتقتصر علي السودان وإقليمه فقط ؛ بل تتعداه لتصبح ظاهرة عالمية تتمدد في أغلب طرقات وساحات مدن العالم ، وتتناسب طرديا حيثما وجدت نسب مرتفعة من البطالة في المجتمع  المعين وغياب للتشريعات التي تحفظ حق الجميع في العمل بمايتناسب وقدراتهم الاقتصادية.