السبت، 3 فبراير 2024

مدحه في ذكر معجزات الله التي أيد بها عبده ونبيه سيد ولد أدم محمد رسول الله



الإهداء: إلي أحباب رسول الله صلي الله عليه وسلم


(النص)


نور المصطفى قبل خلق اللوح والقلم 

وأدم بين الروح والجسد

يامن أقرت نبوءته أنبياء الله

 وشهدت له الأرض من جبل ومن وهد

عليك السلام أيا رحمة مهدأة 

ويا شفيعا يوم تذهل أم عن الولد

 نار خبت غاضت بحيرة ساوه 

وإهتز إيوان كسرى بشرى من الصمد

إسال بحيري عن سر الغمامة 

وإسال حليمة عن ملكي بني سعد

وقف علي الإسراء ينبئك

 عن الإمامة في سفر بالروح والجسد

وليلة المعراج إذ شرفت

 به السماء علي أمر من الأحد

وطاف فيها علي طبقاتها السبع 

وحاز فيها علي سبق من المجد

الي سدرة المنتهى لا أنس ولاجن

 ولا ملك إلاك يامحمود بالحمد

وأسال عليا عن الفرسان إذ أغشوا

 وأسال سراقة عن رمل من المدد

وطف علي الغار الذي نسجت به

 جنود ربك خيطا علي عمد

وحاور الصديق إذ قال الحبيب له 

الله ثالثنا ونعم من سند

ومر علي أم معبد وأسمع مقالتها 

ودرَ ضرع بسم البأري الأحد 

إني لأعرف حجرا فيك يامكه

 الوحش والجذع وأيات بلاعدد

بعين الله عد مصارع الكفر 

وبرئت عيون الصحب من عتم ومن رمد

وجمع الأرض مشرقها ومغربها

 وشق القمر ألاء من الأحد

وفي القران إعجاز ولن يأتوا 

بسورته وإن كانوا علي عضد

وفي القران مغفرة ومعرفة 

وحفظ النفس من جهل ومن حسد

كلام الله نور علي قلب من النور 

وتشريع الي الدنيا من الصمد

وكيف المدح ؟والجبار مادحه 

والروح والصحب في بدر وفي أحد

و وأ فخراه يوم العرض

 يحمل نورنا فيه لواء الشكر والحمد

ويسال أمتي؟ وكل الرسل يانفسي

 ويشفع فيشفع صادق الوعد

وعند الحوض شرب ثم لا ظمأ

  ونظرات لوجه المحسن الصمد 


ديسمبر 2013

الأحد، 10 ديسمبر 2023

طريق السودان من المجتمع الانتقالي الي المجتمع الحديث





    "إن التعليم أقوى سلاح يمكننا إستخدامه لتغيير العالم"              (نيلسون مانديلا). 


           أطبقت الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية على شعوب السودان المتعددة والمتنوعة في مختلف العهود والحقب. واصبحت المجتمعات السودانية اسيرة في مرحلة المجتمع الانتقالي، والمجتمع الانتقالي هو مجتمع ودرجة وسيط بين المجتمع الحديث و المجتمع البدائي . وسمات المجتمع الانتقالي بحسب عالم الإدارة الأمريكي فرد رجز انه مجتمع هش يتسم  بالإنتقائية في تطبيق القانون ؛ وأن توزيع الخدمات فيه غير عادل ؛ وأنه يعج بالاستبداد و الفساد الاداري وبوجود مراكز قوي ومجموعات مصالح  تغلب الشخصي علي المصلحة العامة .

ولن يغادر وطننا مرحلة المجتمع الانتقالي الي مرحلة المجتمع الحديث دون تغيير عميق في أخلاق و سلوك ومعارف ومهارات  الإنسان السوداني. و وسيلة هذا التغيير هو التربية والتعليم . لهذا فان المجتمع السوداني بحاجة إلى إقرار إستراتيجية تربية وتعليم جديده وفعالة تواكب الحاضر والمستقبل ، وذلك باعداد وإعتماد مناهج وهياكل تربية وتعليم تساهم في بناء الشخصية السودانية على أساس متين من مكارم الأخلاق و المعرفة والمهارات ، فالتربية والتعليم هي الوسيلة الناجعة لاحداث التغيير الإيجابي إجتماعيا وسياسيا وإقتصاديا للمجتمعات الانتقالية و البدائية على حد السواء. 

إن صياغة إستراتيجية شاملة للتربية والتعليم في وطننا تحتاج إلى جهد وعقل جمعي يضم كل المؤسسات التعليمية والمراكز التربوية والعلمية والبحثية الوطنية وماتضمه هذه المؤسسات من عقول وخبرات مهنية مستفيدة من التجارب العالمية الناجحة في هذا المجال الحيوي تلاقحا وتبادلا للمعرفة والتجربة بينها وبين المؤسسات التعليمية العالمية العريقة والمراكز العلمية و البحثية الرائدة في العالم المتقدم المتخصصة في هذا المجال دون إغفال لخصوصية شعوبنا الثقافية و واقعنا المتنوع و المتعدد. 

إن الجهل النشط الذي يسيطر على الفضاء العام في وطننا فكريا وسياسيا وإجتماعيا ويهدد وجود وبقاء الوطن، يتطلب سرعة التحرك في إتجاه إعتماد إستراتيجية للتربية والتعليم تعبر عن تحديات الحاضر وآفاق المستقبل في وطننا ، وتتيح لنا كشعب التحكم في قرارنا وفي إدارة مواردنا على الوجه الذي يحقق لنا كوطن وأمة اسباب التنمية والتقدم والازدهار. 

إن تجارب الشعوب والمجتمعات الحديثة في كل العالم أثبتت بما لايدع مجالا للشك من أن التربية والتعليم هي قاطرة التنمية و الحداثة التي نقلت المجتمعات البدائية و الانتقالية الي رحاب الحداثة والتقدم. 

إن سيادة حكم القانون واحترام التعدد والتنوع وإدارة الصراع السياسي من خلال النموذج الديمقراطي التوافقي والانتقال بالانتاج من الأدوات التقليدية الي عصر الصناعة والابتكار و تجسيد مكارم الأخلاق بالافعال وليس بالشعارات مثل إتقان العمل والصدق في المعاملات و إحترام الأخر  والالتزام بالقانون وغيرها من القيم والأخلاق الكريمة من سمات المجتمع الحديث، والتي يمكن الوصول إليها من خلال استراتيجية فعالة للتربية والتعليم. 

إن مناهج التربية والتعليم  المعبرة عن روح العصر وتحدياته المستشرفة لآفاق المستقبل المشبعة بقيم ومكارم الأخلاق هي طريق السودان للخروج من وهدته الانتقالية والارتقاء به الي مصاف المجتمعات الحديثة والمتحضرة. 


https://shihabeldinabdelrazigabdalla.blogspot.com/?m=1




السبت، 9 ديسمبر 2023

مشاهدات من مدينة عطبره



في الصورتين  أعلاه السينما الوطنية في مدينة عطبره وقد تحولت إلي مخزن لحديد التسليح بعد أن قام ملاكها باستئجارها الي المصنع السوداني الماليزي. والسينما الوطنية هي واحدة من ثلاثة دور للسينما في مدينة عطبره وقد كانت تشكل مع السينما الجمهورية وسينما عطبره الجديده بنية تحتية جيده للسينما وصناعتها في مدينة عطبره . علما بأن أول سينما في السودان شيدت في مدينة عطبره من قبل الجيش الانجليزي في العام ١٩٣١م  وهي سينما النجم الأحمر. وقد شهدت مدينة عطبره أيضا ميلاد وإنتاج  أول فيلم سينمائي روائي سوداني وكان بعنوان ( آمال وأحلام ) من إنتاج وأخراج رائد صناعة السينما في السودان الأستاذ الرشيد مهدي  وقد تم تصويره في ستينيات القرن الماضي وعرض للجمهور في مايو ١٩٧٠. 

و واقع السينما في مدينة عطبره الان في إظلام تام حيث أغلقت الدور الثلاثة للسينما أبوابها تماما وتحولت إحداها الي خرابة (السينما الجديده.).

هذا الواقع المحزن لأحد أهم أدوات الثقافة يطرح تساؤلات مهمة :

كيف يمكن أن نبني وطنا دون أن نبني إنسانا واعيا ومتعلما ومثقفا ؟ 

كيف يمكن أن نصنع سلاما مستداما  وعدالة وحرية في السودان دون أدوات لبناء الوعي والاستنارة في الانسان السوداني؟

كيف يمكن أن نبني إنسانا يقبل الحوار و التنوع ويحوله الي قوة لا الي حروب عبثية دون الاهتمام بأدوات الثقافة التي تبني وعي هذا الإنسان؟ 

 بل كيف يمكن من الأساس أن نبني إنسانا واعيا ومثقفا دون أدوات تثقيفية ؟ 

الوعي مكتسب وقابل للتطوير  ،  ويحتاج لأدوات منها السينما والمكتبات العامة ودور الرياضة والأندية والمراكز الثقافية والمجموعات الأدبية وغيرها من الأدوات . 

كل هذه الأدوات في طريقها الي الاندثار والتلاشي بفعل الإهمال و الصراعات والحروب . ومازال بعضنا يحلم ببناء مجتمع مستنير و متحضر .لكن هل يمكن تحقيق هذا الحلم دون أدوات ؟!.

الصورة أعلاه تجيب عن واقع حاضرنا البائس؛ والله المستعان. 





























الخميس، 5 مايو 2022

حول الجهود الدولية المبذولة في قضية التغير المناخي


 

تعرف الأمم المتحدة تغير المناخ بأنه التحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس. ومنذ الثورة الصناعية تفاقمت ظاهرة الإحتباس الحراري الناتج من النشاط البشري ، حيث يعيق تراكم غازات الإحتباس الحراري في الغلاف الجوي  الإنعكاس الحراري من سطح الأرض إلى الفضاء الخارجي، وبذلك تظل الحرارة حبيسة الغلاف الجوي للأرض ، مما يرفع درجة حرارة الكوكب .

ومع تزايد تركيز غازات الإحتباس الحراري في الجو ، وأهمها غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن إحتراق الوقود الأحفوري ( البترول والفحم الحجري والغاز الطبيعي ) تتزايد العلامات والكوارث المرتبطة بالتغير المناخي ، و تبدو أبرز علامات التغير المناخي في إرتفاع درجات الحرارة في كل أنحاء العالم ، وقد زادت درجة حرارة الأرض ، وأصبحت أكثر دفئا بنسبة 1.1 درجة مئوية مما كانت عليه في القرن التاسع عشر ،  و تشمل عواقب وكوارث تغير المناخ الجفاف والحرائق والفيضانات وتقلص مساحة اليابسة والعواصف وتدهور التنوع البيولوجي  والانتاج الغذائي. 

وقد كانت أبرز الخطوات القانونية للأمم المتحدة بشأن قضية تغير المناخ هو إنجاز إتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ الموقعة في العام ١٩٩٢ فيما يعرف بقمة الأرض والتي عقدت في مدينة ريو دي جانيرو بالبرازيل ، وصادقت عليها حتي الأن ١٩٦ دولة إضافة للإتحاد الأوروبي ، وتهدف الي منع  التدخل البشري الخطير علي النظام المناخي ، وأنبثق من هذه الاتفاقية مؤتمر الأطراف وهو هيئة إتخاذ القرار ، ويُعقد مؤتمر الأطراف الذي يضمُّ جميع الدول الأطراف في الاتفاقية كلَّ عام بهدف تقييم تطبيق  الإتفاقية ، والتفاوض علي إلتزامات جديدة تدعم تنفيذ أهداف الإتفاقية الإطارية .

أعقب ذلك توقيع بروتوكول كيوتو للمناخ الموقع في العام ١٩٩٧ والمصادق عليه من ١٩٥ دولة ، وبروتوكول كيوتو في اليابان أول خطوه تنفيذية لانزال إتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ علي أرض الواقع بهدف خفض إنبعاثات غازات الإحتباس الحراري خاصة ثاني أكسيد الكربون ، إلا أن بروتوكول كيوتو لم يحقق أهدافه لعدم توقيع الولايات المتحدة الأمريكية عليه ، وإنسحاب بعض الدول الاخري منه مثل روسيا وكندا واليابان وغيرها ، وتمت الاستعاضة عن بروتوكول كيوتو الذي إنتهي أجله في ٢٠٢٠ بإتفاقية باريس للمناخ الموقعه في أبريل من العام ٢٠١٦ والموقع عليها حتي الأن من قبل ١٩٤ دولة بالاضافة إلي الاتحاد الأوروبي  و تهدف الي تعزيز إستجابة العالم لخطر تغير المناخ من خلال تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية هي الحد من إرتفاع درجة الحرارة الي 1.5  درجه مئويه ، و مراجعة التزامات الدول بشأن خفض الإنبعاثات كل خمس سنوات ، وأخيرا توفير التمويل المتعلق بالمناخ للدول النامية.

وقد طالب تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الصادر في أكتوبر من العام ٢٠١٨  العالم بضرورة الحد من الإحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية وأن ذلك بحسب نص التقرير " يتطلب تحولات سريعة وبعيدة المدى في الأرض والطاقة والصناعة والمباني والنقل والمدن " ، و أنه يجب أن تنخفض الانبعاثات العالمية الصافية الناتجة عن إنبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو ٤٥٪ عن مستويات عام ٢٠١٠ بحلول عام ٢٠٣٠ ، لتصل إلى "صافي الصفر" في حوالي عام ٢٠٥٠ ، وهذا يعني إزالة أي إنبعاثات متراكمة ومعلقه لثاني أكسيد الكربون في الهواء.

وقد أشارت إحصائيات الأمم المتحدة الي أن التحول للإقتصاد المراعي للبيئة يمكن أن يؤدي الي مكاسب إقتصادية تقدر ب٢٦ تريليون دولار حتي عام ٢٠٣٠   مقارنة بالاقتصاد المعتاد ، كما يمكن أن تنتج ٢٤ مليون وظيفة مقارنة بفقدان ٦ ملايين وظيفة نتيجة للتحول الي الطاقة المتجددة والمباني الموفرة للطاقه وتصنيع المركبات  الكهربائية. 

وقد أسفرت الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف، التي عقدت في نوفمبر من العام ٢٠٢١ في مدينة غلاسكو باسكتلندا ، علي الإتفاق على قواعد تطبيق إتفاق باريس للمناخ أو مايعرف بلائحة قواعد باريس ، والتفاصيل التشغيلية للإتفاق.

وأكدت كل الدول المشاركة علي ضرورة الالتزام بخفض درجات الحرارة العالميه الي اقل من درجتين مئويتين والسعي للحد منها إلى 1.5.كما تعهدت الدول المشاركة في الالتزام بخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة ٤٥٪  للوصول إلى صافي صفري في ٢٠٥٠ م ، كما  أتفقت الدول المشاركة علي أهمية التخلص التدريجي من الإعتماد علي الوقود الأحفوري المسبب للإحتباس الحراري، وإن شكك ناشطون في مجال البيئة علي صدق وجدية إلتزام هذه الدول في الايفاء هذا الإلتزام .

كما توافقت الدول المشاركة علي ضرورة الحوار لمناقشة الترتيبات الخاصة بتمويل الأنشطة المكافحة لتقليل الأضرار السالبة لتغير المناخ.وقد كان موضوع التمويل أحد نقاط الخلاف الرئيسية في مؤتمر غلاسكو ، حيث تراجعت دول الشمال عن تعهدات إتفاق باريس للمناخ الذي ينص علي دعم مالي يقدر ب١٠٠ مليار دولار سنويا لدول الجنوب بداية من عام ٢٠٢٠ في إطار دعم دول الجنوب للتحول لمصادر الطاقة النظيفة ومعالجة أضرار التغير المناخي ، وقد دعا المؤتمر الدول الغنية لمضاعفة تمويلها المالي للتعامل مع تغير المناخ بحلول عام ٢٠٢٥ م.

وقد أثمر المؤتمر عن تعهدات واتفاقات بين عدد من الدول فيما يخص الحفاظ علي الغابات والغطاء النباتي وقد إلتزمت ١٣٧ دولة بذلك ، كما التزمت مؤسسات مالية بالقضاء علي كل الاستثمارات المرتبطة بإزالة الغابات، كما التزمت ١٠٣ دولة 

بالحد من إنبعاثات غاز الميثان أحد الغازات المتسببة في الإحتباس الحراري،وتخفيضه بنسبة٣٠٪ بحلول عام ٢٠٣٠   مقارنة بمستويات عام ٢٠٢٠، كما تم الالتزام بين أكثر من ٣٠   دولة وست شركات تصنيع سيارات علي أن تكون جميع مبيعات السيارات خالية من الانبعاثات علي مستوي العالم بحلول عام ٢٠٤٠. كما أنشي تحالف في غلاسكو بين مؤسسات القطاع الخاص والبنوك المركزية بأصول مالية تقدر ١٣٠ تريليون دولار بهدف تحقيق صافي إنبعاثات صفرية علي مستوي العالم إستثمارا في المعرفة والعلم والتقنيات للوصول لتحقيق هذا الهدف.

كما تم عقد شراكة بين دولة جنوب إفريقيا وعدد من الدول المتقدمة للانتقال بجنوب أفريقيا من الإعتماد علي الفحم الي مصادر طاقة بديلة منخفضة الكربون وقد رصدت لذلك ميزانية تقدر بثمانية ونصف مليار دولار.

وبرغم ماتحقق من تعهدات في مؤتمر غلاسكو للمناخ في قمة الأطراف ٢٦  ، الإ أن رئيس قمة الأمم المتحدة للتغير المناخي كوب ٢٦ السيد (ألوك شارما) وصف ماتحقق في غلاسكو بأنه:" إنتصار هش". 

وفي مؤتمر  المناخ كوب ٢٧ المنعقد في شرم الشيخ بجمهورية مصر العربية في نوفمبر ٢٠٢٢ تم إقرار صندوق الخسائر والاضرار لمساعدة البلدان الفقيرة على معالجة آثار التغيرات المناخية كما تم اضافة مصطلح الحلول المستندة للطبيعة كتعزيز  الغابات وحمايتها  حيث تعهد الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا بالتوقف عن إزالة غابات الأمازون بحلول عام ٢٠٣٠ . 

كما تم مناقشة ازمات التنوع البيولوجي وعلاقتها بأزمات التغير المناخي،  و زادت عدد من الدول والمنظمات تعهداتها المالية لمواجهة مخاطر التغير المناخي. لكن يبقى المحك الحقيقي هو مدي التزام هذه الدول والمنظمات بما وعدت به، والوفاء بهذه الإلتزامات المالية التي يمكن أن تساهم  في تخفيف آثار التغيرات المناخية. أيضا تم مناقشة ضرورة التخفيف من الانبعاثات الكربونية وضرورة ان تتحول الشركات والدول الي مصادر الطاقه المتجددة.  

وفي مؤتمر المناخ كوب ٢٨ الذي أنعقد في  نوفمبر من العام الماضي في مدينة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، وعلى مدار اسبوعين، وبحضور أكثر من ٨٠ الف شخص، حيث تم إنشاء صندوق " ألتيرا "  للتمويل المناخي من قبل دولة الإمارات برأس مال قدره ٣٠ مليار دولار ، وصندوق ألتيرا صندوق إستثماري خاص صمم  لسد فجوة التمويل المناخي وتيسير الحصول عليه بتكلفة معقولة ، و يهدف إلى جمع واستثمار ٢٥٠ مليار دولار بحلول عام ٢٠٣٠. بالاضافة إلى ذلك تعهد مؤتمر كوب ٢٨ بأكثر من ٨٥ مليار دولار كالتزامات مالية تجاه قضايا المناخ.كما  تم تفعيل صندوق الخسائر والاضرار الذي تم إقراره في قمة شرم الشيخ للمناخ (كوب ٢٧)  بتعهدات مالية لاتقل عن ٧٩٢ مليون دولار مساعدة للبلدان الفقيرة  للتعامل مع الآثار الكارثية لتغير المناخ .

كما تم التوصل إلى اتفاق يقضى بضرورة الانتقال من استخدام الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة، بطريقة متدرجة وفعالة وعادلة ، لتحقيق  هدف صافي انبعاثات صفري بحلول عام ٢٠٥٠. 

كما انتقد مؤتمر المناخ كوب ٢٨ الدول الغنية لعدم التزامها بتعهداتها المالية السابقة والتي قطعتها على نفسها منذ سنوات خلت وتقدر ب ١٠٠ مليار دولار سنويا. حيث تقدر  حاجة دول الجنوب لمبلغ 2.4 تريليون دولار سنويا للتعامل مع تحديات تغير المناخ . 

ما سبق محاولة لعرض أبرز المحطات والجهود الدولية المبذولة في قضية التغير المناخي التي تمثل أكبر تحد يواجه كوكبنا ويهدد إستمرار الحياة فيه ، وقضية التغير المناخي قضية ذات طبيعة عالمية  ، وتحتاج الي أكبر تعاون وتضامن دولي ممكن ، وهي إمتحان صعب يواجه المنظومة الدولية من أجل تلافي الآثار الكارثية لتغير المناخ علي حاضر ومستقبل الحياة والناس في كوكب الأرض ، والمقال دعوة لكل الناشطين ولصناع الرأي للاهتمام والتنوير بقضية التغير المناخي وقضايا البيئة علي وجه العموم ، ووضعها في صدارة إهتمامات الرأي العام المحلي والعالمي ، خاصة مع إرتفاع أصوات التيارات التي تدعو للنمو الإقتصادي الذي لايراعي ضمان سلامة البيئة والمحافظة علي صحة وحياة كوكب الارض. 


    
































الجمعة، 22 أبريل 2022

إضاءات حول الإقتصاد الإبداعي


خصصت الأمم المتحدة العام الماضي عاما للاقتصاد الإبداعي أستجابة لمبادرة إندونيسية و بموافقة من 81 دولة حول العالم ، هذا التأييد الدولي يعكس حجم إهتمام العالم بهذا النموذج الاقتصادي ، حيث تقدر الأمم المتحدة مساهمة الاقتصاد الابداعي بمايعادل 3%  من الناتج الإجمالي العالمي ، بقيمة تقدر ب 2.25 تريليون دولار أمريكي سنويا ، وأن هذا النموذج الاقتصادي سيكون أحد المحركات الرئيسية للاقتصاد العالمي ، و يري إقتصاديون أن أثر الاقتصاد الإبداعي أكبر من ذلك بكثير وأن الوعي بتأثير هذا النموذج الاقتصادي علي أهداف التنمية المستدامة مازال محدودا خاصة في دول الجنوب ، وأن الإحصائيات والمعلومات والدراسات حول تاثير الاقتصاد الإبداعي تحتاج الي إهتمام وتجويد أكبر .

والإقتصاد الإبداعي بحسب منظمة اليونسكو و برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يوجد في المكان الذي تلتقي فيه الفنون والثقافة والتجارة والتكنولوجيا. و يشير الباحث البريطاني جون هوكنز مؤلف كتاب (الإقتصاد الإبداعي) الصادر في العام 2001 ، الي أن الاقتصاد الإبداعي يقوم علي تفاعل الإبداع البشري وقوانين الملكية الفكرية والمعرفة والتكنولوجيا ، وبحسب هوكنز فأن قائمة أنشطة الإقتصاد الإبداعي تضم الهندسة المعمارية ، والفن ، والحرف اليدوية ، والتصميم ، والإعلان والأزياء ، والأفلام ، والموسيقى ، والفنون المسرحية ، والنشر ، والبحث والتطوير ، والبرمجيات ، والتلفزيون ، و الراديو وألعاب الفيديو .

وتري المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو) أن الاقتصاد الإبداعي قائم علي إنتاج وتسويق  الإبداع المحمي بحقوق الملكية الفكرية ، و الوعي بأهمية حقوق الملكية الفكرية جوهري و ضروري لتطوير الاقتصاد الإبداعي ، وضمان حقوق المبدعين والناشطين إقتصاديا في صناعة الفن والثقافة .

والإهتمام بالاقتصاد الإبداعي حول العالم لا يقتصر علي الدول المتقدمة فقط ، بل زاد الإهتمام بهذا النموذج في عدد من الدول النامية مثل إندونيسيا التي أضافت لوزارة السياحة قطاع الاقتصاد الإبداعي ، وأصبحت تعرف هناك بإسم وزارة السياحة والاقتصاد الإبداعي ، كما حددت إندونيسيا قائمة نشاطات الاقتصاد الابداعي ، وأنشات مؤسسة مختصة بقضايا الاقتصاد الإبداعي تعرف باسم ( الوكالة الإندونيسية للاقتصاد الإبداعي ) وتعني برسم السياسات والتنسيق بين المؤسسات الحكومية بهدف تهيئة الظروف للاقتصاد الإبداعي حتي يصبح دعامة أساسية للاقتصاد الوطني الإندونيسي ، وذلك من خلال تمكين الشركات الإبداعية الاندونيسية علي النمو وزيادة قدراتها التنافسية ، وتنشط تلك الوكالة في ستة محاور هي البحث والتطوير والتعليم ، والحصول على رأس المال ، والبنية التحتية والتسويق والتسهيل ، وتنظيم حقوق الملكية الفكرية ، والعلاقات الحكومية الدولية ، والعلاقات المحلية. وبحسب إحصائيات رسمية فقد حقق الاقتصاد الإبداعي في إندونيسيا في العام 2017 ما يزيد على 7 % من إجمالي  الناتج المحلي  ، ووظف نحو 15.9 مليون شخص ، وتاثيره علي الاقتصاد الإندونيسي في نمو و تصاعد مستمر كل عام .

والتجربة الإندونيسية ليست الوحيدة أو الأخيره فقد نشطت مؤخرا إمارة دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة في الإهتمام بالاقتصاد الإبداعي ورسمت إستراتيجية متكاملة لتعزيز تنوعها الإقتصادي من خلال تطوير وتحرير القدرات الكامنة في الاقتصاد الإبداعي ، وتهدف إمارة دبي من إستراتيجيتها تلك إلى زيادة عدد الشركات والمؤسسات الإبداعية والثقافية لتصل الي عدد 15000 شركة ، لتساهم بما يعادل  5% من إجمالي  الناتج المحلي للإمارة ولتخلق 140 ألف وظيفة في قطاعات الاقتصاد الإبداعي المختلفة وذلك بحلول العام 2026 ، وجعل إمارة دبي مركزا للاقتصاد الإبداعي علي مستوي المنطقة والعالم ، وذلك من خلال جذب المبدعين الذين يرغبون في تأسيس أعمالهم الإبداعية ذات الطابع الإقتصادي في دبي عبر منحهم تسهيلات في  الإقامة والفيزا الثقافية طويلة الأمد.

وعلي مستوي الاقتصاديات الكبري ، و وفقا للتقارير المنشورة وبيانات مكتب التحليل الاقتصادي في وزارة التجارة الأمريكية لعام 2017 ، فقد بلغ الناتج الإقتصادي في قطاعات الاقتصاد الإبداعي نحو 920 مليار دولار، بمساهمة تقدر ب 4.3 % من إجمالي الناتج المحلي ، فيها نحو 33 مليار دولار فائض تجاري من تصدير الأعمال الفنية والسلع والخدمات الثقافية كالأفلام وألعاب الفيديو .

أما في الصين فقد أسهمت القطاعات الإبداعية بما يزيد على 460 مليار دولار في الاقتصاد الوطني ، أي ما يوازي نحو 4 % من إجمالي الناتج المحلي .

 ووفقا لتقديرات 2018 فإن الاقتصاد الإبداعي في بلدان الاتحاد الأوروبي أسهم بما يعادل 5.3 % من إجمالي الناتج المحلي للإتحاد الأوربي ، أي ما يعادل 550  مليار دولار وساهم في خلق 12 مليون وظيفة . 

هذه المساهمات المؤثرة للاقتصاد الإبداعي علي مستوي الاقتصاديات الكبري، والاهتمام المتعاظم بتطوير هذا النموذج الاقتصادي علي مستوي الدول النامية يعكس إتجاه العالم نحو تعزيز الاقتصاد الإبداعي باعتباره من أكثر وأسرع القطاعات الاقتصادية  نموا في العالم .

وقد ركز المؤتمر العالمي للاقتصاد الإبداعي الذي عقد في دولة الإمارات مطلع ديسمبر 2021   تحت شعار ( إبداع متكامل يصنع المستقبل) على ستة محاور أساسية وهي: إطلاق قدرات التعليم ، وإعادة إبتكار العمل، والتحول التكنولوجي، وتعزيز المشهد الإعلامي وقنوات التواصل، ومستقبل مستدام، والتنوّع والشمول .

كما ناقش المؤتمر في أجندته قضايا دعم الثقافة والصناعات الإبداعية ، و الدعم المالي للمبدعين ، وتوفير التمويل من الحكومات أو القطاع الخاص أو القطاعات المجتمعية ، ودعم ريادة الأعمال للمبدعين، والاهتمام الأكبر بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. 

فيما أكدت منظمة اليونسكو علي لسان رئيستها ضمن فعاليات المؤتمر  العالمي للاقتصاد الابداعي علي أن هناك ثلاثة تحديات ملحة تواجه الاقتصاد الابداعي خاصة في اوقات الازمات مثل ماحدث من تداعيات سالبة علي صناعة الثقافة والفنون والمبدعين  إبان جائحة كوفيد 19 , وأول التحديات هو حماية المبدعين وتحسين ظروف الحياة الاقتصادية والاجتماعية لهم ، والتحدي الثاني هو التحول التكنولوجي ورقمنة الثقافة التي تخلق مزيدا من الفرص ومزيدا من التحديات في نفس الوقت ، خاصة فيما يتعلق بقضايا التوزيع ، أما التحدي الثالث فهو الحاجة لبيانات أكثر موثوقية ودقة لفهم التحديات التي تواجه الاقتصاد الإبداعي وقطاع الثقافة بما يضمن رسم السياسات المستقبلية للاقتصاد الإبداعي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

 وقد أشار تقرير الأمم المتحدة حول الإقتصاد الإبداعي في نسخته العربية المنشور في عام 2015  الي عشرة مفاتيح أساسية لنمو الإقتصاد الإبداعي، منها : ضرورة  الوعي العام بأنّه إلى جانب الفوائد الاقتصادية يستطيع الاقتصاد الإبداعي أن يولّد قيمة غير نقدية يمكنها أن تسهم كثيراً في تحقيق نمو شامل ومستدام يرتكز على الأفراد والمجتمعات ؛ إضافة الي ضرورة جعل الثقافة أداة تحفيز ودعم لعمليات النمو الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ؛ وإبراز الفرص من خلال رسم خارطة الموارد المحلية للاقتصاد الإبداعي  ؛ وأكد التقرير  علي أهمية تقوية أساس المعرفة من خلال جمع البيانات الدقيقة ؛ و ضرورة البحث في الروابط بين القطاعات الرسمية وغير الرسمية  ؛ ولفت التقرير الأممي الانتباه الي اهمية الاستثمار في بناء القدرات المحلّية لتمكين أصحاب المبادرات المحلّية والموظفين الحكوميين وشركات القطاع الخاصّ ؛كما أشار التقرير الي ضرورة تفعيل التعاون الدولي المثمر خاصة بين دول الجنوب من أجل تسهيل التعليم المتبادل ؛ وإدخال الثقافة في برامج النمو الاقتصادية والاجتماعية المحلية.

وقد إتفقت الأراء العلمية حول عناصر السلسلة القيمية المكونة لمنظومة الصناعات الثقافية والإبداعية وهي الابتكار، والإنتاج، والتوزيع، وقنوات النفاذ للمنتجات والخدمات الناتجة من القطاع الابداعي المعين ، و أن تقوية كل عنصر في هذه السلسلة يسهم بشكل فاعل في استدامة النمو ، ومايترتب علي ذلك من أثر إيجابي.

وفي ظل الإهتمام العالمي المتعاظم بالاقتصاد الإبداعي ، لابد للدولة والمجتمع في السودان من تطوير إستراتيجية شاملة تشجع الصناعات الإبداعية والثقافية وذلك من خلال تهيئة البيئة التشريعية و الإستثمارية اللازمة لازدهار الإقتصاد الإبداعي ، وتوفير سبل تمويل مرنة تعمل علي تشجيع المبدعين السودانيين لدمج الإبداع مع الفرص الإستثمارية المتاحة محليا وإقليميا ودوليا لتوليد قيمة إقتصادية وإجتماعية وثقافية ، كما أن الاقتصاد الإبداعي وثيق الصلة بمجالات عديدة كالتجارة والاتصالات ، لهذا لابد من الإهتمام بتطوير البنية التحتية لكل القطاعات المتداخلة في نشاط الاقتصاد الإبداعي. و لابد أن تعبر سياسات الاقتصاد الابداعي عن حاجة ومطلوبات المجتمعات المحلية في قضايا التعليم والهوية الثقافية والبيئة .

ورغما عن وجود أساسيات علمية وعالمية متفق حولها تحفز نمو الاقتصاد الإبداعي لكن هذه الأساسيات لاتنفي البصمة المميزة لكل بلد في موارده الابداعية وميزاته التنافسية القابلة للإستثمار ، وعلينا في السودان إكتشاف مكامن القوة التي يتميز بها إقتصادنا الإبداعي ، ورسم السياسات التي تضمن تطويرها وتقويتها ومعالجة نقاط الضعف ، خاصة مايلي مراجعة و تطوير التشريعات المتعلقة بمنظومة الملكية الفكرية في السودان وتطويرها ، وتصنيف المهن والوظائف العاملة في الاقتصاد الإبداعي ، وتطوير سياسات محفزة  للمبدعين  ، إضافة إلى وضع معايير تحدد جودة الصناعات الثقافية والإبداعية ، وقياس مؤشرات الأداء ، كخطوات ضرورية للنهوض بالاقتصاد الإبداعي في السودان. 


    




































السبت، 16 أبريل 2022

حول السياسة الثقافية في السودان

 


    

     

 

يرجع الفضل في إثراء مفهوم السياسة الثقافية في الدوائر الأكاديمية الي عالم السياسة الأمريكي دكتور كيفن في مولكاهي  ، وإن كان تطوير فكرة السياسة الثقافية يعود الي أدبيات منظمة اليونسكو منذ ستينيات القرن الماضي ، وتعرف السياسة الثقافية بشكل عام علي أنها الإجراءات الحكومية والقوانين والبرامج التي تنظم وتحمي وتشجع وتدعم الأنشطة المتعلقة بالفنون والقطاعات الإبداعية ، مثل الرسم والنحت والموسيقى والأدب وصناعة الأفلام والمسرح وغيرها من الفنون ، وحماية وتطوير اللغات والتراث والتعدد الثقافي ، وما ينتجه هذا التنوع من ثقافات متباينة واسلوب حياة متغير ومتجدد . كما تعرف منظمة اليونسكو الثقافة علي أنها جميع السمات الروحية والفكرية والمادية والعاطفية التي تميز مجتمعا بعينه أو فئة إجتماعية بعينها وتشمل الفنون والآداب وطرائق الحياة ، كما تشمل الحقوق الأساسية للانسان ومنظومة القيم والتقاليد والعادات ، وقد نص الإعلان العالمي لحقوق الانسان في مادته رقم 27 )) علي أن :"لكل شخص حق المشاركة الحرة في حياة المجتمع الثقافية ، وفى الاستمتاع بالفنون ، والإسهام في التقدم العلمي وفى الفوائد التي تنجم عنه.كما أن لكل شخص حق في حماية المصالح المعنوية والمادية المترتبة على أي إنتاج علمي أو أدبي أو فني من صنعه."

وفي واقع اليوم أصبحت القضايا الثقافية والاقتصادية والاجتماعية متداخلة بل أشبه بالحزمة الواحدة حيث من الصعب حدوث تنمية إقتصادية وإجتماعية في أي مجتمع دون حدوث تنمية ثقاقية لمؤسسات وأفراد المجتمع ، وكلما إرتفع الوعي بأهمية الثقافة وتذوق الفنون وإنتاجها وسط مجتمع ما كلما كان ذلك مؤشرا إيجابيا علي تقدم وجودة الحياة في ذلك المجتمع .

 وفي الواقع السوداني المأزوم ، يعاني النشاط الثقافي علي تنوع وتعدد مجالاته من الشلل التام ، رغما عن وجود وزارة للثقافة تدير عددا من المجالس الثقافية المتخصصة ، والسبب الذاتي المباشر في هذا الجمود هو غياب سياسة ثقافية تقوم علي الشراكة بين الدولة والمجتمع  تدعم وتشجع الابداع السوداني في كل المجالات الثقافية وتجعله متاحا لكل السودانيين  ، إضافة الي أن الأجندة الثقافية علي أهميتها وحاجة بلادنا الماسة لها ، الإ أنها لاتجد الاهتمام والدعم الذي تستحق من صانع القرار الحكومي ، ويظهر ذلك جليا في ضعف ميزانية الدولة المخصصة لوزارة الثقافة و مؤسساتها علي المستويين الاتحادي والولائي ، ومع توارث سياسة الاهمال الرسمي والمجتمعي و غياب الدعم للأجندة الثقافية تداعي ماتبقي من مبان ، حيث أصبحت المسارح السودانية علي قلتها دورا مهجورة ، وتحولت دور السينما الي أطلال وخرابات يسكنها البوم والغربان ، وأندثرت صناعة السينما باندثار مؤسسة الدولة للسينما إلا من مبادرات شابة تكافح لاعادة الضوء مرة اخري علي شاشة السينما السودانية بعد عقود من الظلام ، يكافح هؤلاء الشباب لاعادة الروح لصناعة السينما السودانية في مبادرات منتجة بقدرات ذاتية وطموح لا يحده حدود ، وإن كان ينقص تلك المبادرات المخلصة الدعم المادي الرسمي والمجتمعي ذلك أن صناعة السينما صناعة باهظة التكاليف ، ولا تستطيع جيوب الأفراد مهما كانت سخية تحمل تكلفة النهوض بهذه الصناعة المعقدة التي تحوي في داخلها فنونا عديدة ، و ما يعتري صناعة السينما من تحديات تواجهه الفنون الشعبية التي يذخر بها وطننا المتنوع ، والتي إن لم تجد التطوير والرعاية وفقا لسياسات محكمة ودعم رشيد ، فستضمحل في مواجهة طوفان العولمة الجارف بثقافته كل الحدود والفضاءات. كما تدهورت في بلادنا صناعة الكتاب وتأثرت سلبا بالأزمة الاقتصادية المزمنة ، واغلقت عدد من دور الطباعة والنشر العريقة أبوابها بسبب الخسائر المادية الناتجة من إرتفاع تكاليف صناعة الكتاب ، خاصة تكاليف الرسوم الحكومية المفروضة علي مدخلات هذه الصناعة كرسوم الضرائب والجمارك ، وقل عطاء المواهب المبدعة في كل المجالات الثقافية لعدم القدرة علي التفرغ للابداع بسبب الانشغال في البحث عن لقمة العيش وتوفير أساسيات الحياة في واقع إقتصادي خانق لايتيح التقاط الأنفاس ناهيك عن الابداع ، في الوقت الذي تستنفر فيه الدولة كل طاقاتها المادية لشراء السلاح وأدوات الحرب والقمع ، وتقلل - عمدا أو جهلا - من قيمة الثقافة التي تبني الانسان و السلام والاقتصاد والتنمية ، كما تراجع النشاط التشكيلي داخل السودان ، علي تميز الفن التشكيلي السوداني الزاخز بالمبدعين ، والذي يعد أحد نقاط القوة في الفنون السودانية. وإجمالا ، فقد تجمد تماما النشاط المؤسسي للثقافة في السودان علي تنوعه أو كاد إلا من مبادرات وإجتهادات فردية وبقدرات ذاتية من قبل ناشطين في المجال الثقافي .

هذا الواقع الثقافي الجامد يفرض ضرورة تبني الدولة لسياسة عامة للثقافة تهدف الي الاهتمام بتطوير النشاط المبدع في كل مجالات الثقافة السودانية دعما وتشجيعا ورعاية ليكون حق الانتاج الثقافي والتمتع بخدماته متاحا لكل السودانيين ومعبرا بكل حرية وعدالة وتقدير وإحترام عن تنوع وتعدد الثقافات السودانية و معززا لقيم الانتماء والهوية السودانية ، وعنصرا فاعلا من عناصر القوة الناعمة للدولة و المجتمع ، علي أن تفسر  السياسة الثقافية في خطط وأليات قابلة للتنفيذ والقياس لتحريك وتنشيط عصب الثقافة في الدولة والمجتمع ، دون إغفال لأهمية الإدماج التدريجي للثقافة في كل مجالات السياسة العامة ، باعتبار أن السياسة الثقافية تتكامل مع كثير من مجالات السياسة العامة كمجالات التربية والتعليم والبيئة والسياحة والتخطيط العمراني وسوق العمل وغيرها من المجالات ، ولانجاز عملية الإدماج الثقافي والتكامل بين وزارة الثقافة وكل مؤسسات الدولة بشكل فاعل لابد من هيكلة وزارة الثقافة بحيث تتيح لها الهيكلة الجديدة المرونة لتقوم بدورها المحوري في التنسيق والتكامل بين كل الوزارات والمؤسسات فيما يلي خدمة المحتوي الثقافي علي تعدد المجالات .كما لابد من دعم الاتجاه العالمي الذي يعامل مؤسسات الثقافة كمؤسسات عامة مستقلة عن الجهاز التنفيذي ، وخاضعة لسلطة البرلمان تشريعا ومتابعة. 

 هذا مع أهمية بناء شراكات بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني والفاعلين الثقافيين محليا وإقليميا ودوليا لدعم وتشجيع الإنتاج الثقافي السوداني -علي تنوعه - وتسويقه ودعم المبدعين السودانيين في كافة مجالات الثقافة و الفنون ،  إضافة للاهتمام بتأهيل الكادر البشري العامل في مجالات الثقافة ، وتوفير فرص للمبدعين الشباب لصقل مواهبهم بالتعليم والتدريب في الداخل والخارج ، وبناء القدرات للتنفيذيين خاصة في مجال الادارة الثقافية ،  إضافة لما يمكن أن يحدثه التكامل بين وزارات الثقافة والتربية والتعليم والتعليم العالي من نقلة نوعية في تطوير مناهج الفنون والمحتوي الثقافي بشكل عام في كل المناهج التعليمية بمستوياتها  المختلفة ،مما يثمر ثقافة و إبداعا وحبا للفنون في الاجيال الناشئة .

 كما لابد أن تركز السياسة الثقافية للدولة علي قضية التراث الحضاري المادي وغير المادي ، وضمان حمايته من كافة المهددات وإحترامه علي تنوعه كتراث يعزز قيمة الانتماء والهوية والسلام المجتمعي ، كما يمثل ذاكرة للحضارات السودانية الضاربة في عمق التاريخ  ، إضافة لما يمثله هذا الثراث الثقافي من قيمة إقتصادية من خلال عائدات السياحة وإنعاش سوق العمل.

 أيضا من أهم المطلوبات لاعادة الحياة للثقافة السودانية هو زيادة الميزانية المخصصة لوزارة الثقافة ومؤسساتها والاهتمام بالعمل الثقافي خاصة في الولايات والأطراف ، وذلك لان من حق جميع المواطنين في كل بقعة من أرض الوطن المشاركة و التمتع بالخدمات الثقافية الممولة من الخزانة العامة للدولة ، كما لا يمكن فصل قضايا التنمية والانتاج في الريف عن قضايا الثقافة وإشباع إحتياجات إنسان الريف من الثقافة وتفاعله معها منتجا لها ومستهلكا .

ومن الإجراءات الضرورية في السياسة الثقافية مراجعة كل القوانين والتشريعات واللوائح الخاصة بالعمل الثقافي في السودان مثل قانون الملكية الفكرية وقانون الصحافة وغيرها ، كما لابد من مراجعة كل القوانين التي تؤثر في صناعة الثقافة كقوانين الجمارك والضرائب ، ومنح إعفاءات ضريبية وجمركية لمدخلات صناعة الثقافة- كصناعة الكتاب مثلا - ورقيا كان أم الكترونيا- ، تشجيعا للنشاط الثقافي . كما لابد إن تنص السياسة الثقافية علي حق المبدعين في الأجر العادل والمعاش الذي يضمن لهم ولأسرهم الحياة الكريمة.

 هذا وقد رفد التقدم التكنولوجي المجال الثقافي بابتكارات جبارة إنعكست إيجابا علي تطوير السياسة الثقافية وأدواتها حماية للتراث الثقافي وتنميته خدمة لأجندة الثقافة كمكون من مكونات التنمية الشاملة . بل وساهم التقدم التكنولوجي في نمو وازدهار    الاقتصاد الابداعي من خلال تطوير فنون العمارة والديكور والبرمجيات والاذاعة والتلفزيون والتصوير والرسم والموسيقي وصناعة السينما والأزياء وغيرها من الفنون ، لهذا لابد أن تلتزم السياسة الثقافية في السودان بضرورة الاهتمام باستيراد التكنولوجيا المتقدمة التي تخدم المجال الثقافي وتوطين صناعتها وعلومها في السودان خدمة لأجندة الثقافة.  

ولن تزدهر الثقافة بالسياسة الثقافية المحكمة وتتفيذ خططها أو بالدعم المادي والمعنوي فقط ، بل يجب أن تحمي الدولة الحريات وحقوق الإنسان لكل المجتمع حتي تزدهر الثقافة ، فالثقافة إبنة الهواء الطلق .

إن عالم اليوم يمضي بسرعة الضوء في مجال تطوير وتكامل و إدماج السياسة الثقافية في السياسة العامة للدولة علي إختلاف مجالاتها ، وتشارك المسؤوليات في تنفيذها بين الدولة والمجتمع ، وذلك نابع من أهمية الثقافة كأحد المحركات الأساسية لبلوغ أهداف التنمية المستدامة ، كما توفر السياسة الثقافية - إن وجدت الإدارة الثقافية الرشيدة و التنفيذ المتقن ومناخ الحريات وإحترام حقوق الانسان  - الحماية والازدهار للثقافات المحلية ، وهي بذلك توازن بين التنوع والخصوصية المحلية والقيم العالمية في أن واحد .

 ماسبق خطوط عريضة لأفكار حول السياسة الثقافية في السودان ، تحتاج الي مزيد من التفصيل والإثراء ، كما تحتاج قضايا الثقافة بشكل عام الي إهتمام أكبر من قبل الاكاديميين والمثقفين دراسة لمشاكلها وإنتاجا للحلول. 






































الجمعة، 8 أبريل 2022

الرياضة في السودان : تحديات الحاضر وأفاق المستقبل


   " للرياضة القدرة على تغيير العالم، فهي تستطيع توحيد البشر بطريقة يعجز عنها أي شيء آخر "

                                                  نيلسون مانديلا 


يعرف معجم كامبرديج الرياضة علي أنها لعبة أو منافسة أو نشاط يحتاج إلى جهد بدني ومهارة يتم القيام بها وفقًا لقواعد ، وذلك للاستمتاع و/أو كوظيفة. 

والرياضة في عالم اليوم أصبحت للجميع ، فهي أسلوب حياة يعزز الصحة البدنية والنفسية للبشر ويطور القدرات التعليمية والفاعلية الاجتماعية ، و يبني منظومة القيم في الشخصية الرياضيه علي أسس الاحترام والصداقة والتميز ، كما تطور الرياضة من مهارات العمل الجماعي والتعاون وتعزز من روح الانضباط وإحترام القواعد والتسامح واللعب النظيف.

والرياضة كنشاط تنافسي رسمي أو أسلوب حياة في المجتمع تحتاج الي إستراتيجية علمية شاملة تتبناها الدولة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني وكل الفاعلين في المجتمع لتحقيق الأهداف المرجوة من هذا القطاع الحيوي الذي أصبح جزءاً من القوة الناعمة للدول يعكس صورتها ومدي تحضرها و قيمها وثقافتها بين الأمم. 

وحال الرياضة في السودان كحال كثير من القطاعات المهمة المهملة من الدولة ومؤسسات  المجتمع ، حيث تعشعش فيه العشوائية والارتجال بديلا لحسن الادارة والتخطيط الاستراتيجي ، إضافة الي ضعف البنية التحتية للمرافق والمنشأت الرياضية ، وعدم مواكبة وتوافق التشريعات المحلية مع التشريعات الدولية الصادرة من المنظمات الاقليمية والدولية الرياضية ، هذا مع ضعف التمويل الحكومي و المجتمعي المخصص لهذا القطاع ، وإعتماد الاندية الرياضية في تسيير نشاطها علي جيوب الأفراد المحبين للنشاط من الرياضيين والذين مهما إمتلكوا من قدرات مالية فإنها تظل عاجزة عن النهوض بهذا القطاع الذي يتطلب إستثمارات ضخمة ووقتا حتي يصبح القطاع الرياضي قادرا علي تمويل نفسه بنفسه وتحقيق الفوائد المرجوة منه ، كما تعاني الرياضة السودانية أيضا من ضعف تدريب الكادر الوطني الناشط في هذا القطاع الحيوي علي تعدد محاوره الادارية والفنية. هذه التحديات تفرض تحركا عاجلا من كل المؤسسات الرسمية والمجتمعية لتطوير إستراتيجية علمية وواقعية وشاملة للنهوض بالرياضة في السودان .

وفي هذا الاطار لابد للدولة ممثلة في وزارة الشباب والرياضة من أن تبادر في طرح إستراتيجية شاملة لتطوير الرياضة السودانية بالتنسيق مع اللجنة الاولمبية والاتحادات الرياضية والأندية والقطاع الخاص والمجتمع المدني والرياضيين وبمشاركة كل القطاعات المتداخلة مع قطاع الرياضة مثل المؤسسات الطبية خاصة مايلي الطب الرياضي وكليات التربية الرياضية ، وبشكل عام وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي و وزارة العدل و وزارةالاعلام و وزارة الصناعة وزارة المالية وكل المؤسسات ذات الصلة .

 ولابد أن تكون الاستراتيجية الرياضية شاملة لكل مجالات ومحاور النشاط الرياضي ، بداية من تطوير التشريعات الرياضية القانونية حتي تتوافق مع قوانين ولوائح المنظمات الرياضية الدولية والقارية والإقليمية الي تطوير وتدريب الكوادر البشرية العاملة في المجال الرياضي ، وتحديث أنظمة الإدارة الرياضية لتواكب الطفرات التي أحدثتها ثورة التكنولوجيا في عالم الادارة الرياضية وفي المجال الرياضي بشكل عام ، مع الالتزام الصارم بمعايير الجودة الشاملة في كل ما له علاقة بقطاع الرياضة ٠ 

كما لابد أن تهتم الاستراتيجية الرياضية بتطوير البنية الاساسية للنشاط الرياضي والتوسع في بناء الملاعب الحديثة والمرافق والمنشأت الرياضية ، وأن لا يكون الاعتماد  في ذلك على الدولة فقط بل يمكن للقطاع الخاص أن يلعب دورا مقدرا في هذا الجانب ، وذلك من خلال إقرار قانون خاص بالاستثمار الرياضي يخاطب مخاطر الاستثمار المحتملة في هذا القطاع الحيوي ويشجع علي جذب رؤوس الاموال للاستثمار في الرياضة علي مستوي البنية الاساسيه كانشاء الاندية الخاصة والملاعب ومستشفيات الطب الرياضي ومصانع الأدوات والمعدات الرياضية ، وتشجيع الشركات العالمية المتخصصة في صناعة الأدوات والمعدات الرياضية علي إعتماد وكلاء و فتح فروع وخطوط إنتاج لمصانعها داخل السودان . أيضا  لابد من فتح الباب أمام أندية اللعبة الواحدة لمزيد من التخصصية ، كما لابد من أن تجد قضايا الإعلام الرياضي بكل أنواعه حيزا في الاستراتيجية الشاملة لتطوير الرياضة في السودان ، وذلك من خلال تذليل كل العقبات التي تمنع النهوض بقطاع الاعلام الرياضي المشاهد والمسموع والمقروء ، مع عدم إغفال تحسين أجور العاملين في مجال الإعلام الرياضي وتطوير قدراتهم من خلال التدريب المستمر داخليا وخارجيا ، وإقرار التشريعات القانونية الملزمة لذلك. 

 و لابد أن تركز الاستراتيجية الرياضية الشاملة في خططها علي صناعة وإنتاج أبطال رياضيين إعتمادا علي المدارس السنية من فئات البراعم والناشئين خاصة ما يلي الإعداد المبكر للموهوبين منهم للتنافس الاقليمي والقاري والدولي، واكتشاف ورعاية الموهوبين مسؤولية كل المجتمع ، كما أن إكتشاف المواهب الرياضية يتطلب منافسات منتظمة علي مستوي المدارس والجامعات والمؤسسات ، كما لابد من التوسع في إنشاء المدارس السنية و الاكاديميات الرياضية المتخصصة،  وذلك لالتقاط وإعداد الموهوبين منذ الصغر ورعايتهم وفقا لأحدث البرامج التدريبية والتنافسية ،  مما سيمهد الطريق أمامهم في المستقبل لحصد البطولات الدولية باسم الوطن . 

ايضا لابد للإستراتيجية الرياضية الشاملة أن تقر وتشجع الانفتاح علي تجارب الدول الرائدة في كل لعبة تنافسية ، وإستقدام خبراء منها للاستفادة منهم في تطوير اللعبة المعنية في السودان ، ايضا لابد من العمل علي إستقطاب كافة أشكال الدعم الخارجي من المؤسسات الدولية ، و تفعيل الاتفاقيات الثنائية مع الدول الصديقة ، وتوجيه كل ذلك في إتجاه تطوير البنية التحتية الأساسية والتنمية البشرية للكوادر الرياضية السودانية ( الادارية والفنية) كما ونوعا . 

إن من نقاط القوة التي تخدم أجندة الرياضة في السودان هو توفر المواهب والخامات الرياضية خاصة فيما يلي الألعاب الفردية والتي ينقصها فقط الاكتشاف والرعاية منذ الصغر لتشب علي أسس علمية وتنافسية ، ويمكن للسودان أن يحقق بطولات قارية ودولية في الالعاب الفردية إن وجدت إهتماما مثلما تجده بعض الالعاب الجماعية.

أيضا من نقاط القوة شغف مجتمعنا السوداني بالرياضة علي إختلاف ضروبها ومتابعته أخبارها ، بل إن الفعاليات الرياضية خاصة كرة القدم تستحوذ علي إهتمام قطاع عريض من مجتمعنا الذي يتدافع بالالاف ويقتطع جزءا من دخله المادي لمتابعة النشاط الرياضي المحلي من داخل الاستادات والمرافق الرياضية ، بل ويتابع الرياضة العالمية من خلال الاشتراك في القنوات الحصرية مدفوعة القيمة ، هذا الشغف لا نظير له مقارنة بالنشاطات المجتمعية الأخري مثل الندوات السياسية أو الأدبية والتي لايتعدي الحضور الجماهيري فيها علي أحسن الفروض المئات في السياق الطبيعي ، هذا الشغف المجتمعي رصيد يمكن تطويره ليكون أكثر فاعلية و إيجابية لخدمة أجندة الرياضة  في السودان ، خاصة فيما يلي التسويق الرياضي وتحويل الأندية الرياضية الي شركات مساهمة عامة ، وكسوق واعد بالطلب يمكن أن يكون عامل جذب وتحفيز للقطاع الخاص المحلي والدولي للإستثمار في المجال الرياضي  بالسودان. 

إن ممارسة الجميع للرياضة في عالم اليوم لم تعد أمرا ثانويا بل أصبحت ضرورة صحية وإقتصادية وإجتماعية لهذا لابد من التوسع الأفقي والراسي في المنشأت والمرافق الرياضية علي مستوي السودان كله ، وأن لاينحصر النشاط الرياضي فقط في المدن بل يتعداه للريف السوداني الزاخر بالامكانيات البشرية والاقتصادية التي يمكن أن ترفد مسار الرياضة في السودان بكل ماهو مفيد .

إن التخطيط الاستراتيجي السليم والادارة الجيدة والعمل الجماعي المخلص لمؤسسات الدولة والمجتمع فيما يلي الأجندة الرياضية في السودان ، يمكن أن يضع وطننا في الصدارة علي المستوي التنافسي إقليميا وقاريا و من ثم دوليا  ، وذلك لان السودان زاخر بالمواهب في كل ضروب الرياضة ، وينقص هذه المواهب الاكتشاف والرعاية والاعداد المبكر منذ الصغر وفقا لاستراتيجية علمية متفق حولها تديرها الدولة ويدعمها المجتمع .




























الجمعة، 1 أبريل 2022

نُزهة في أشعار صلاح أحمد : يازكيَّ الشعر والشعر شعور

 


          

               


   


صلاح أحمد إبراهيم نجم خالد في سماء الشعر السوداني ، ومن رواد الشعر الحديث في السودان ، وأحد مؤسسي مدرسة الغابة والصحراء ،وهي تيار ثقافي تأسس في ستينيات القرن الماضي في جامعة الخرطوم ، والتي تخرج فيها شاعرنا صلاح أحمد في كلية الأداب. و يعلي هذا التيار الادبي من قيمة الهوية السودانية كقومية تمتزج فيها العروبة بالافريقية ، والغابة ترمز للبعد الأفريقي، بينما الصحراء ترمز للبعد العربي ، وقد ولد صلاح أحمد في مدينة أم درمان في ديسمبر من العام 1933.

 ويمتاز صلاح أحمد بطاقات شعرية جبارة وخيال خصب ولغة مدهشة غذتها ثقافته العالية وتجربتة الإنسانية الثرة ، كتب أجمل قصائده في الرومانسية ، متفردا فيها باستخدامه للميثولوجيا الاغريقية ، كما أجاد في توظيف التراث السوداني ورموزه بأصوله الأفروعربية في عدد من قصائده الجياد ، كتب صلاح أحمد الشعر باللغة الفصحي وبالعامية السودانية ، وأبدع بالكتابة بهما شعرا صادقا نابعا من الشعور ، لهذا وجد صدي طيبا وقبولا في نفوس متذوقي الشعر . أنتج صلاح أحمد أشعارا كثيرة ، خرج بعضها في دواوين شعرية منها : غابة الأبنوس ، وغضبة الهبباي ، ونحن والردي ، ومحاكمة الشاعر للسلطان الجائر ، ويا وطن ، كما أشترك مع صديقه الأديب (علي المك) في إنتاج مجموعة قصصية بعنوان ( البرجوازية الصغيرة) ، وشاركه أيضا في ترجمة كتاب (الأرض الأثمة) لمؤلفه باتريك فان رنزبيرج.

وفي نزهة بين أشعارصلاح أحمد ، أقطف لكم من رائعته (نحن والردي) :


نتركُ الدنيا وفي ذاكرةِ الدنيا لنا ذكرٌ وذِكرًى

من فِعالٍ وخُلُقْ

ولنا إرثٌ من الحكمةِ والحلمِ وحبِّ الكادحين

وولاءٌ، حينما يكذبُ أهليه الأمين

ولنا في خدمة الشعب عرق.


أمسِ قد كنا سُقاةَ القومِ بالكأس المرير

وغدًا يحملنا أبناؤُنا كي نستقي

فالذي تُخلَى له مَضْيَفَةُ الحي سيُدعَى للرحيل

حين يبدو قادمٌ في الأفق

وكلا القائمِ والقادمِ في دفترِها ابنُ سبيل.


أما في الرومانسية ، فكالعهد بشعر صلاح ، فقد أبدع وأجاد ، وقصيدته (قصة من أم درمان) تقف شاهدا علي ذلك ، خاصة ماجاء منها في وصف العيون ، وأقتطع لكم منها: 


عيناك وأخضر المكان

وتسمرت عيناي في عينيك

ماعاد المكان أو الزمان

عيناك بسْ

ومسكت قوس كمانتي

عيناك إذ تتألقان

عيناك من عسل المفاتن جرتان

عيناك من سور المحاسن آيتان

عيناك مثل صبيتين

عيناك أروع ماستين

هذا قليل

عيناك أصدق كلمتين

عيناك أسعد لحظتين

هذا أقل

عيناك أنضر روضتين

عيناك أجمل واحتين

ما قلت شئ

عيناك أطهر بركتين من البراءه

نزل الضياء ليستحم بها

فألقى عند ضفتها رداءه

الفتنة العسلية السمراء

والعسل المصفى والهناء

وهناك أغرق نفسه

عجز الخيال

عيناك فوق تخيلي

فوق إنطلاق يراعتي

فوق إنفعال براعتي

عيناك فوق تأملي


ومضيت مأخوذاً وكنت قد اختفيت

من أنت؟ ما أسمك يا جميل؟

وكنت من أي الكواكب قد أتيت

وقد أختفيت 

مازلت تملأ خاطري مثل الأريج

كصدى أهازيج الرعاة تلمه خضر المروج

كبقية الحلم الذي ينداح عن صبح بهيج

ومضيت مأخوذاً وكنت قد اختفيت

ومضت ليال كالشهور فما ظهرت ولا أتيت

وأنا أسائل عنك في الليل القمر

وأنا أفتش في ابتسامات الرضا لك عن أثر

في كل ركن سعادة لك عن أثر

في كل نجم خافق

في كل عطر عابق

في كل نور دافق

لك عن أثر .


ولصلاح قصائد  رومانسية أخري لاتقل جمالا عن قصيدته( قصة من أم درمان ) ومنها قصيدة (مريا) و التي تفرد فيها صلاح باستخدام الميثولوجيا الأغريقية ، ومنها إخترت لكم :



ليت لي أزميل " فدياس " وروحا عبقرية

وأمامي تل مرمر ,

لنحت الفتنة الهوجاء في نفس مقاييسك تمثالا مكبر ,

وجعلت الشعر كالشلال : بعض يلزم الكتف وبعض يتبعثر

وعلى الأهداب ليلا يتعثر

وعلى الأجفان لغزا لايفسر

وعلى الخدين نورا يتكسر

وعلى الأسنان سكر

وفما ـ كالأسد الجوعان ـ زمجر

يرسل الهمس به لحنا معطر

وينادي شفة عطشى وأخرى تتحسر

وعلى الصدر نوافير جحيم تتفجر

وحزاما في مضيق , كلما قلت قصير هو , كان الخصر أصغر

يامريا :

ليت لي أزميل " فيدياس " وروحا عبقرية

كنت أبدعتك ياربة حسني بيدي

يامريا :

ليتني في قمة " الأولمب " جالس

وحوالي العرائس

وأنا في ذروة الإلهام بين الملهمات

أحتسي خمرة " باخوس " النقيه

فإذا ماسرت النشوة في

أتداعى , وأنادي : يابنات

نقروا القيثار في رفق وهاتوا الأغنيات .


وقد ذاعت هذه القصيدة أكثر بعدما غناها الفنان الكبير الراحل (حمد الريح)، كما غني الموسيقار الراحل محمد وردي لصلاح أحمد قصيدة (الطير المهاجر) وهي قصيدة باللغة العامية السودانية ، وهي من أجمل أشعار صلاح الغنائية وزادها حسنا لحن وصوت فنان أفريقيا الأول ، وغني له أيضا الفنان الكبير صلاح بن البادية قصيدة (ياعزه ولدك فيهو سر ) ، كما غني له الهرم الغنائي عثمان حسين قصيدة (العوده الي اليرموك )، و أبدعت فرقة عقد الجلاد الغنائية في إختيار وغناء قصيدته (شين ودشن) ، وهي أيضا بالعامية السودانية ومنها هذه الأبيات :

البسمع فيهم يا أبو مروه

يبادر ليك من غير تأخير

دا اخو الواقفة يعشى الضيف

الحافظ ديمه حقوق الغير

الهدمه مترب وقلبه نظيف.


وإجادة صلاح أحمد لأنواع عديدة من الشعر يعكس موهبته المتفردة وطاقاته  الشعرية المتعددة ، وثقافته العالية ، وإمتلاكه ناصية اللغة العربية وأدابها ، مما سهل عليه ترجمة شعوره شعرا باللون الشعري الذي يتناسب مع الموضوع الذي يقرض فيه .

وأخترت لكم من قصيدة (حنين)  هذه الرباعيات:


يا طير  إن مشيت سلم على حبانى

جيب خبر الوطن يمكن قليبو طرانى

جيب نسام زلالو المنو مره روانى

جيب لمحات جمالو الاصلى مو برانى


عرج على جبال كررى وتوخى يمينك

وفى اطراف مقابر البكرى أحنى جبينك

حلق فوق معالم البقعة متع عينك

وسلم لى على الدايما بسأل وينك


أدخل ليهو بالباب الصغير دامع

وفى حوش التراب أسجد تحية جامع

سلم فى خشوع قول ليهو جيتك راجع

أقلع بين ايديهو الفى ضلوعك ساجع


 ولم يكتفي صلاح أحمد ببراعته في الشعر العربي بأنواعه المتعددة  والمتعارف عليها في السودان والإقليم ، بل كتب الشعر علي نسق( الهايكو الياباني ) الذي يعتمد في التعبير ، علي عمق و كثافة المعني بمفردات قليلة ،.وهو نوع من الشعر لا قافية له ولا وزن ، حيث تتألف أشعار الهايكو الياباني من بيت واحد فقط ، مكون من سبعة عشر مقطعا ، وقد تنقص الي أربعة عشر أو تزيد الي واحد وثلاثين مقطعا ، وتكتب عادة في ثلاثة أسطر .

وأجاد صلاح أحمد في نظم قصائد علي نسق( الهايكو الياباني)، منها :


النيل وخيرات الأرض هنالك 

ومع ذلك... 

ومع ذلك...


 وقد سخر  صلاح أحمد ملكاته الشعرية في التعبير عن مواقفه السياسية ، وله في هذا الباب ارث كبير ملأ الدنيا وشغل الناس ، وكتب عن شعبنا بعد ثورة اكتوبر :


أعرفهم: الضامرين كالسياط

 الناشفين من شقا

اللازمين حدهم، الوعرين مرتقى

أعرفهم كأهل بدر شدة، ونجدة، وطلعة، وخلقا

أعرفهم ان غضبوا مثل انفلاق الذرة

أو وثبوا فكهوي الصخرة

أو فتكوا فأسأل الصاعقة

أو زأروا فالحزم ملء الزأرة

الجن لا يحوشهم من شدة التعنت

تسوقهم إلى الردى زغرودة الفتوة

أو هاتف – ولم يسم – يا أبا المروءة

فيأكلون الجمر لا يلوون بالدنية.


ودبج الاشعار في المناضل الأفريقي باتريس لومومبا ، منها هذا المقطع : 


معصوب العينين معرى الصدر تدفره رجل السجان

 كفاه وراء الظرف التفّ عليهما القيد 

 كما يلتف على السمك السرطان

وتقدم يمشي معتداً تحسبه يخطب في آلاف

وتحسبه سلطان

في موكب نصر يخطر أبهة كأوز النيل

حواليه العبدان

مرفوع الأنف يقبل سيف الحق

يصلصل في زرد الإيمان


وبحكم إقامة صلاح أحمد خارج أرض الوطن لسنوات طويلة ، فقد تناول في شعره إنفعالات الغربة والحنين الي الوطن في كثير من روائعه ، ومن ذلك الإرث ماخطه عن إنفعالات الغربة في بلاد مقياس الناس فيها بالألوان ، وهي دعوة في ظني لاتقتصر علي الخارج فقط بل هي دعوة للتفكر في حال واقعنا المحلي الذي مازال يمور و يضطرب عصبية ، خاصة من أولئك الذين يدعون النقاء العرقي من السودانيين ، ويميزون علي أساسه داخل السودان ، و من تغرب يعرف أننا كسودانيين علي إختلاف درجات ألواننا سود في نظر البيض ، وآن لمن يدعون النقاء العرقي أن يتطهروا من هذه الجاهلية ، ويتركوا الشقاق بسبب التعدد العرقي ، وأن يلتفوا حول الهوية السودانية ببعديها الأفريقي والعربي ، و التي عبرت عنها شعرا مدرسة الغابة والصحراء ، وكان صلاح أحمد أحد روادها ، ومن الملاحظات أننا كسودانيين نعيش كمجتمع موحد و متجانس علي تعددنا خارج الأوطان أكثر مما نتألف في داخل الوطن ، وقصيدة (إنفعالات في الغربة) تعكس قضية التمييز  في بعض المجتمعات علي أساس اللون ، منها أقتطع لكم :


هل يوماً ذقت الجوع مع الغربة؟


والنوم على الأرض الرطبه


الأرض العارية الصلبة


تتوسد ثنى الساعد في البرد الملعون


أني طرفت تثير شكوك عيون


تتسمّع همس القوم، ترى غمز النسوان


وبحدّ بنان يتغوّر جرحك في القلب المطعون


تتحمل لون إهاب نابٍ كالسُّبّه


تتلوى في جنبيك أحاسيسٌ الإنسان


تصيح بقلب مختنق غصان:


وآ ذلّ الاسود في الغربة


في بلد مقياس الناس به الألوان!


 ماسبق شذرات من شعر صلاح أحمد ، أما تراثه الفكري والأدبي بشكل عام  فغزير ومتنوع ، حيث كتب وترجم مئات المقالات السياسية والأدبية و عشرات القصص القصيرة ، ونشرت مساهماته تلك في عدد من الصحف السودانية والعربية في ذاك الوقت ، وأمثال صلاح أحمد من الأدباء المجيدين قلة يجب أن تفاخر بهم الأمم ، وتهتم بتوثيق تراثهم الأدبي الرفيع ، لان ماتركوه من إرث أدبي رفيع يستحق ذلك ، توفي الشاعر صلاح احمد إبراهيم في مايو من العام  1993 :


رُبَّ شمسٍ غرُبت والبدرُ عنها يُخبر

وزهورٍ قد تلاشت وهي في العطر تعيش


وأختم نزهتي بين أشعار صلاح أحمد بأبيات من رائعته (نحن والردي)  : 


في غدٍ يعرفُ عنا القادمون

أيَّ حب قد حملناه لهم

في غدٍ يحسبُ فيهم حاسبون

كم أيادٍ أسلفت منا لهم

في غدٍ يحكون عن أنَّاتنا

وعن الآلام في أبياتنا

وعن الجرح الذي غنى لهم

كل جرحٍ في حنايانا يهون

 حين يغدو مُلهما يُوحي لهم

جرحُنا دامٍ ونحن الصامتون 

حزننا جمٌّ ونحن الصابرون

فابطشي ما شئتِ فينا يا مَنون

كم فتًى في مكة يشبه حمزة؟



https://shihabeldinabdelrazigabdalla.blogspot.com/





































الجمعة، 25 مارس 2022

نحو سياسة إجتماعية متكاملة تمثل قيم الثورة السودانية

  


يتفق الأكاديميون بشكل عام ، علي أن السياسة الاجتماعية هي جزء من السياسة العامة التي تصدرها الدولة أو من يمثلها وتخاطب فيها القضايا الاجتماعية كالرعاية الصحية والتعليم والسكن وسوق العمل والرفاهية ، كما تعالج إستجابة الحكومة والمجتمع للتحديات الاقتصادية والاجتماعية كقضايا الفقر والهجرة والنزوح ، وتحلل السياسة الاجتماعية الأدوار المختلفة التي يقوم بها شركاء المجتمع من حكومة ومنظمات غير ربحية ومجتمع محلي وأسرة في تقديم الخدمات عبر دورة حياة الانسان من الطفولة الي الشيخوخة. وتهدف السياسة الاجتماعية بشكل عام  للحد من عدم المساواة في الحصول علي الخدمات والدعم بين الفئات الاجتماعية المستهدفة بحسب الحالة الاجتماعية والاقتصادية والنوع والعمر والعرق و غيرها من المحددات.

وقد رفعت الثورة السودانية شعارات الحرية والسلام والعدالة ، والعدالة بمفهومها الشامل تغطي وجوه عديدة ، كالعدالة الاجتماعية والعدالة القضائية والعدالة السياسية .

والسياسة الاجتماعية هي التعبير العملي لتطبيق شعار الثورة السودانية فيما يلي وجه العدالة الاجتماعية ، و التي لن تتحقق ما لم تتنزل سياسات وخطط وبرامج تضمن المساواة وحقوق الإنسان وتكافؤ الفرص والخدمات ، إذ من المفترض أن تخاطب السياسة الاجتماعية بعد الثورة السودانية محاور عديدة منها مايتصل بمعالجة قضايا الفقر و المخاطر المرتبطة بدورة الحياة كالمرض والشيخوخة والإعاقة وغيرها ، ومنها مايتصل بمحور الاستثمار في البشر من خلال الاهتمام بقضايا التعليم والصحة وسوق العمل ؛ ومنها مايعالج قضايا التنمية الاجتماعية كالاهتمام بالتنمية في الريف وقضايا الأراضي والمياه وغيرها . فالسياسة الاجتماعية بعد الثورة السودانية يجب أن تخطط من أجل الجميع ولمصلحة كل المجتمع ، مع التركيز علي  الاستثمار في البشر كأغلي راسمال في المجتمع من خلال الاهتمام بقضايا التعليم والصحة والسكن وسوق العمل ، ذلك أنه كلما كانت السياسة الاجتماعية متكاملة كل ماتعزز  نمو المجتمع وإستقراره وتماسكه ، إذ من المفترض أن تلعب السياسة الاجتماعية في سودان مابعد الثورة دورا بارزا في توطيد النسيج الإجتماعي من خلال دعمها لقيم العدالة الاجتماعية وتعزيز المساواة في المجتمع ، بل والمساهمة في تخفيف الصدمات الاقتصادية في وقت الأزمات ، والتي لايخلو منها أي مجتمع إنساني. خاصة مع الاتجاه الاقتصادي الغالب محليا بضرورة التعامل مع المؤسسات المالية العالمية( صندوق النقد والبنك الدولي ) ومايترتب علي تنفيذ سياسات هذه المؤسسات من فجوات إقتصادية ، وتصاعد في وتيرة خصخصة الاقتصاد والخدمات قد تتلاشى علي إثره الطبقة الوسطى في المجتمع ، ويصبح المجتمع بين غني ومعدم ، لذلك أصبح من الضرورة تبني سياسة إجتماعية تحد من عدم المساواة في المجتمع السوداني ، وتلبي ضرورياته خاصة مع إرتفاع التكاليف المادية للاساسيات كالغذاء والرعاية الصحية والتعليم والسكن اللائق ، وأصبح الحصول علي هذه الضروريات خارح متناول الاغلبية من محدودي الدخل .

وعلي جماهير شعبنا الضغط في إتجاه تبني الدولة لسياسة إجتماعية عادلة تؤسس لمجتمع العدالة الاجتماعية ، ولضمان الالتزام طويل الامد بتنفيذ السياسة الاجتماعية المتفق حولها، لابد من تضمينها كحق من الحقوق الدستورية ، حتي لايصبح الالتزام بها وقفا علي حكومة بعينها أو خاضعا لتقلبات وأهواء السياسة.

 وعلي الرغم من أن الحكومات في العالم المتقدم  لم تعد هي الفاعل الوحيد في ميدان السياسة الاجتماعية بل أصبح لها شركاء كالقطاع الخاص والقطاع غير الربحي والمجتمعات المحلية وصولا للأسرة وحتي الافراد ، لكن الواقع في السودان مختلف تماما،  فمع ضعف إلتزام القطاع الخاص تجاه مسؤولياته المجتمعية ،  وجنوحه لمشاريع تحقق له الدعاية أكثر مما تلبي حاجة مجتمعنا ، و ضعف مؤسسات المجتمع المدني والتي لم يقوي عودها بعد كما ونوعا ، عليه تصبح إدارة السياسة الاجتماعية مسؤولية الدولة بشكل مباشر تخطيطا وتنفيذا وتقويما .

 وقد برهنت تجارب بعض الدول المتقدمة أن التركيز علي إزدياد معدلات النمو الاقتصادي ليس كافيا لردم الهوة وتحقيق رفاه المجتمع ؛ بل ربما ساهم في زيادة وتوسيع الفوارق الاقتصادية وزيادة حدة الفقر وإختلال المجتمع ، ما لم يكن مستندا على سياسة إجتماعية فاعلة تعبر عن إحتياجات الناس الحقيقة وتعمل على تلبيتها وتجسير فوارق المجتمع ، كما أن تحسن المؤشرات الاقتصادية ليس هدفا في حد ذاته ، بل الأثر الايجابي لهذا التحسن علي حياة الناس وتنمية المجتمع. 

والدعوة للعدالة الاجتماعية ليست مطلبا بشريا فقط بل هي أمر إلهي ، وفي كل الديانات السماوية من التشريعات مايعضد قيم العدالة الاجتماعية والتراحم بين الناس ماديا ومعنويا ،ويكفي علي سبيل المثال لا الحصر ، أن الركن الثالث في الإسلام هو فريضة الزكاة وماتحمله من قيم التكافل المادي في المجتمع ،كما دعا الاسلام الي رحمة الصغير وتوقير الكبير علي وجه العموم  ، وخص بالأجر العظيم والفوز بالجنة كافل اليتيم ، والبار بوالديه وذلك من أحب الأعمال الي الله ، ومن حقوق المسلم علي المسلم  زيارة المريض وإتباع الجنازة ، ومن سيرة صحابة النبي الكريم ،إيثار الانصار للمهاجرين، وقد مدحهم الله عز وجل في كتابه الكريم ، وأصبح صنيع الأنصار رضي الله عنهم قرأنا يتلي الي يوم الدين ، مثل لامع أخر في الإيثار والمواساة عن صحابة النبي الكريم من الأشعريين ، وقال النبي الكريم فيهم: ( إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو ، أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني، وأنا منهم) .أما المساواة بين البشر فقد أقرها الإسلام فعلا وقولا ، فالرب وأحد ، وكلنا لأدم وأدم من تراب.  

وفي الثورة السودانية أمثلة كثيرة علي الايثار والتكافل ولعل أسطعها تجربة إعتصام القيادة العامة ، والتي توحد فيها السودانيون وتكافلوا فيما بينهم علي إختلاف اعراقهم ، وبرز في تلك التجربه شعار (لو عندك خت ، لوماعندك شيل) كمثال بارز علي روح التكاتف بين الثوار .

وإجمالا ، لايمكن تصور وجود حكم رشيد باركانه الثلاثة (الحرية والمساواة والعدل ) دون سياسة إجتماعية عادلة و متكاملة . وما من تجربة إنسانية في الحكم لها ذكر في الجانب المشرق من التاريخ البشري إلا و كانت العدالة الاجتماعية بمثابة الروح و القلب النابض لها .

إن قضية توزيع موارد الدولة توزيعا متوازنا له علاقة وثيقة بنجاح السياسات العامة ، وعلي رأسها السياسة الاجتماعية ، والتي يجب أن يكون الالتزام بها حقا دستوريا حتي لايتهرب الجهاز التنفيذي من الايفاء بها .

 وقد أبرزت حسابات منظمة العمل الدولية أن تكلفة بناء نظام فاعل للضمان الاجتماعي الأساسي يشمل خدمات التعليم الأساسي والرعاية الصحية للفقراء ودعم المعاشيين والمعوقين لايتجاوز نسبة ال ٢% فقط من الدخل القومي للدولة ، وكل ما أزدادت النسبة المخصصة في الدخل القومي لبند السياسة الاجتماعية كلما كانت أكثر شمولا و إكتمالا ( كما ونوعا) وإنعكس ذلك إيجابا علي إستقرار وتماسك و تنمية و رفاه الدولة والمجتمع .











































السبت، 19 مارس 2022

حول إدارة التعدد العرقي وبناء الهوية المشتركة في السودان


مابين حاضرنا وخطاب وداع السير روبرت هاو حاكم عام السودان  بُعيد الاستقلال ، و الذي أوضح فيه أن أكبر  تحدي يواجه شعوب السودان هو كيفية إدارة التعدد والتنوع الذي يذخر به السودان ، ليكون هذا التنوع  مصدر قوة لا مصدر نزاع ، تتمدد ستة عقود ونصف من الحكم الوطني فشلت جميعها في إدارة التعدد العرقي وما أنتجه من تباين في الدين و اللغة و اللون ، بل وفقدت الشعوب السودانية شعب جنوب السودان الذي أسس دولته منفصلا عن الدولة السودانية مابعد الاستقلال ، وقد جاء إنفصال الجنوب نتيجة لخطأ المعالجات التي تبنتها الدولة السودانية في معالجة مسألة التعدد العرقي في السودان ، ومايتطلبه إدارة هذا التعدد من حقوق دستورية و سياسات إقتصادية وإجتماعية وسياسية وثقافية ، ذلك أن الاختلاف والتعدد هو إرادة الله في خلقه ، ولا يشكل الاختلاف والتعدد في حد ذاته عيبا أو نقصا أو مانعا للتوافق حول قضايا الدولة الواحدة ، وبناء الهوية التي تشعر كل المجموعات العرقية بالانتماء إليها ، ولهذا فان الإدارة الجيدة لمسألة التعدد العرقي ، توجب الإعتراف أولا بحق الاختلاف والتنوع بكل مستوياته ، يعزز  ذلك الحق بسط الحريات السياسية والاقتصادية والإجتماعية والثقافية لكل المجموعات العرقية ، فالحرية ضرورة لاغني عنها حتي تطمئن كل المجموعات العرقية وتبادل الدولة حقوقها وأجبات ، مما يسهم في إزدهار التعايش السلمي ، و تعزير القواسم المشتركة للهوية الوطنية الجامعة التي  تقف علي قاعدة متماسكة و متنوعة من إنتماءات أولية كالقبيلة والدين واللون والثقافة  ؛ والانتماءات الأولية هي قدر الانسان التي يولد بها ، ولا يختارها ، لهذا فعدم الإنغلاق أو التقوقع في أجندة هذه الانتماءات الأولية ، والانفتاح علي المجموعات العرقية الأخري هو مايقود الي بناء القواسم المشتركة كضرورة لبناء الدولة الوطنية الموحدة بوجدانها الجمعي ومصالحها العليا وهويتها التي يتشاركها الجميع .

والسودان ليس هو البلد الوحيد الذي يذخر بتعدد في القبائل و اللغات والديانات والألوان والثقافات ، وقد نجحت دول مثل سويسرا وماليزيا وهولندا و جنوب إفريقيا والنمسا وكندا من جعل التعدد مصدر ثراء وقوة ، وقد عالجت هذه الدول مسألة التعدد العرقي من خلال إعتماد دساتير توافقية تضمن مشاركة و تمثيل وحقوق كل القوميات علي تعددها وتنوعها، ورسمت من السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية مايضمن ذلك ، ولم تغفل عن معالجة مأزق الأقليات في مواجهة الأكثرية كأحد نقاط الضعف عند تطبيق الديمقراطية التقليدية في المجتمع المتعدد ، فاعطت حق الاعتراض والنقض المتبادل بين الأقلية والأغلبية في المجتمع المتعدد لمنع إحتكار القرار ، كما أعتمدت التمثيل النسبي  في الانتخابات وفي المؤسسات ، وقد ساهمت هذه المعالجات في تسهيل مشاركة الجميع مما إنعكس إيجابا علي تقوية تماسك المجتمع والدولة ككل ، كما منحت حق الادارة الذاتية لكل أقليم في إطار مفهوم الدولة الواحدة والحكومة الواسعة القائمة علي تحالف جميع مكونات الدولة أكثرية وأقلية، ونجحت هذه الدول من خلال هذه الوصفة في خلق الانتماء ( للأمة الواحدة) علي قاعدة متعددة عرقيا ، وقد ذكر عالم السياسة الهولندي الاصل الأمريكي الجنسية أرنت ليبهارت في كتابه (الديمقراطية التوافقية في مجتمع متعدد )  والذي شرح فيه نظريته حول الديمقراطية التوافقية كعلاج لمشكلة المجتمعات المتعددة المنقسمة عرقيا ولغويا ودينيا وثقافيا أن الديمقراطية التوافقية وصفة لبناء الثقة في المجتمعات المنقسمة ، و يتطلب نجاح تطبيقها تعاونا من كل مكونات المجتمع المتعدد ، وإعتدالا ووسطية ومرونة من الجميع حتي يكون النظام التوافقي فاعلا ومنتجا وقابلا للاستمرارية والتطوير ،  لان تمترس أي مكون عرقي أو ثقافي  بمواقفه دون مراعاة لمصالح الأخرين ، قد يشل عملية إتخاذ القرار في الدولة والتي تتطلب تنازلات من الجميع ، كما أن التركيز علي تعظيم المكاسب والإمتيازات لإقليم أو مجموعة عرقية محددة في ظل الديمقراطية التوافقية قد يفجر  نزعات إستقلالية تكون مدخلا لتفكك الدولة .

 وفي واقعنا السوداني فقد أدي الفشل في صناعة دستور توافقي يعالج مسألة التعدد العرقي مع غياب القوانين الملزمة التي تضمن الحقوق والحريات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية لشعوب السودان المختلفة علي تنوعها و تعددها الي نزوع بعض النخب التي تنتمي الي بعض المجموعات العرقية التي تشعر بالتهميش الي توظيف هذا الشعور سياسيا كرد فعل علي إحتكار مجموعات ثقافية وعرقية أخري للمجال العام سياسيا وثقافيا ، وقد قاد ذلك سابقا في التجربة السودانية لانفصال شعب جنوب السودان ، وإذا إستمرت ذات المعالجات الخاطئة للتعامل مع قضية التعدد العرقي ، فالنتائج بلاشك ستكون مزيدا من التقسيم ، وسيتشظي السودان الي دويلات علي أسس عرقية وثقافية.  

إن الحل للصراع العرقي في السودان ، يكون من خلال التراضي بين كل شعوب السودان علي دستور توافقي وقوانين ملزمة تحترم وتحمي خصوصية كل شعب وثقافته ، وتضمن الحريات و الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكل شعوب السودان في إطار مفهوم الدولة الوطنية الواحدة التي تحقق مصالح الجميع ، وأن يكون التوافق الدستوري علي هدي الديمقراطية التوافقية  خطوة اولي في طريق إندماج  كل مكونات المجتمع تحت رأية الإنتماء للدولة والهوية الوطنية السودانية كحاضنة للجميع ، ولتعزيز هذا الإتجاه لابد من أن تعمل الدولة علي دعم وتطوير أدوات المجتمع المدني كالأحزاب السياسية والنقابات المهنية ومنظمات العمل التطوعي وغيرها من الكيانات العابرة للانتماءات الأولية ، والتي توحد السودانيين علي أسس الفكر والقيم الانسانية متجاوزة العرق و العصبية النتنة.كما يكمن الاستفادة من التجارب الانسانية الناجحة لبناء نظام ديمقراطي توافقي في السودان تلبية لواقع وحاجة مجتمعنا المتعدد في هذه المرحلة الحرجة من عمر الأمة السودانية .

https://shihabeldinabdelrazigabdalla.blogspot.com/





































الأربعاء، 5 أغسطس 2020

من دفتر الثورة السودانية








وانطلقت أعذب زغروده

إيذانا بالموكب

واندلقت فينا كالعطر

يحرر كيمياء الثورة

يشعلها في الروح حماسا

انطلقت تستدعي تاريخ بلادي

نوباتيا وبعانخي ترهاقا وأماني

وكل الأجداد ملوك النيل العظماء

انطلقت تستحضر تاريخا

تستجمع جذوته

وتثير حماسة حاضره

ليثور علي الظلم

يثور كريح الهبباي

ينفجر كهبة مارد

أو ثورة بركان

لشباب بصدور عارية

إلا من حق

وأياد مشرعة بالنصر

تظللها رايات السودان

وخيارات واضحة

لاتقبل وسطا أو تجزئة

إما وطنا حرا أو كفنا

هل سجلت حضورا ثوريا؟

ورايت الثوار أضاءوا الساحات

وتحدوا القهر وليل الذل

وغنوا للفجر وصدحوا

إما وطنا حرا أو كفنا

هل غسلتك حرارة تلك الأجواء؟

وكأن الشمس علي الرأس تماما

وجلست علي الأسفلت

وعيونك تبحث عن حرف من ظل

تلتقط الأنفاس عليه

هل عشت الثورة في الميدان ؟

ورأيت الظلم يدوي

من قنبلة صوتيه

ويصم الآذان

وطلقات الرصاص الغادر

تختطف الثوار

كقطف الأزهار

هل استنشقت (البمبان)؟

وكيف اختنق الصدر

وغطي الدمع العينين

وفاض علي الخدين

وعز علي الرئيتين هواء

واقترب الموت ولم تجزع

فالموت علي الحق حياة

هل استنشقت( البمبان)؟

وفقدت علي الدرب عزيزا

وعرفت معاني الثورة

وخبرت مصارعها

وتعلمت أن لا تستسلم

أو تسقط أو تنهزم لجلاد

وتعلمت وعلمت

بأن الظالم ثعبان سام.


  

                                                                         

يوليو 2019

الخرطوم

السبت، 1 أغسطس 2020

أقدار




أما لهذا الحُزن من نهاية ؟
تحلقُ الطيورُ كل فَجر
عَذراء مُفعمه
براحةِ الضمير
بالسلام
بالبراءةِ المُغرِده
تواجه الإعِصار والصياد
بالنشيدِ والإصِرار
وتفرِدُ الجناح كالخيال
يا للصغار
وعدتهم بالقمح هذى المرة
وتنطلق للموت فى وداعةٍ
بابتسامة أودعَتها كل حُبها
في أن تفي بوعدها
ضحكة الصغار يا حياتها
تعودُ فى الغروب
وقد وفت بوعدها
يافرحة الصِغار
وهم يُهدهِدون حِجرها
ويأكلون
يداعِبونها فتبتسم
وتنتشى
فتُرسلُ الألحان دافئه
تجترُّ فى الشجن
تجترُّ يومها العصيب
ضعفها المقيم
حُزنها
ذكرى رفاقها الألى قضوا
وهم يُصارعون
جحافل البغاة
بالنشيدِ العذبِ
مخالب النبال
ويقتلون على شفا حبة أو سنبله
نعم تعودُ مُثخنه
لكنها حينما تعودُ أو تموت
تنام مُطمئنه
غير مُذنبه
فى لهفةٍ لفجرها الجديد
وتستمرُ المجزره.

مايو 2005


القناع




تفتح الصباح
وأخضرَت المقل
وطلَ فى سناها
جذوة الكفاح
بارق الامل
لنا البشر
ضحكة تطاول السماء بُرهة
ريثما يطوف فى صداها
طائف الدموع
مأتم
وساعة من الشرود
كم توسدت ألم

هى الحياة
تبرجت شموسها
فى باحة الأفق
وأُخضبت دماءنا
فأصبغ الشفق

هى الحياه
تفتحت زهور الياسمين
وأخضرَت الربى
مفاتن القرى
وعمَ المدينة الصخب
تفتحت وكم تقيحت
بسارقى العرق

هى الحياه
ما أسرع المغيب
لحكمة
روحنا قديمة
وحيدة نقيض
حلقت بيننا
وكم تبادلت جسد
تفتح الصباح
وأخضرَت المُقل.

يونيو 2006


تأملات ميت



هل هدأت ساعة
من فورة السباق
وأتكأت لجة التأمل العميق
نافذا الى حياتنا
بحلوها مرها
نورها ظلامها
حياتنا مماتنا النشيط
هكذا رحلة الحياة
ميت نشيط
يا ضعفنا فى سجننا الكبير
في قبرنا النشيط
في قالب المياه والهواء
والصخور والحديد
يا أرضنا يا سماء غيرنا
يا نجاة كائن آخر وضيع
فبراير 2007


حول أزمة الإسكان في ولاية الخرطوم .


 نشر بتاريخ: 15 تشرين2/نوفمبر 2018

إن الحق في السكن اللائق حق إنساني تقره المواثيق الدولية كحق أساسي للإنسان لايقبل المساومة أو الخضوع لاهواء من يستثمرون في معاناة الناس ؛ وقد نص العهد الدولي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية بالحق في السكن والمأوي اللائق ؛ والسودان ضمن الدول التي صدقت علي هذه الوثيقة منذ مارس في العام 1986 ويشمل الحق في السكن المناسب توفير الأمن والخدمات والبنية التحتية وسهولة الوصول للمسكن والموقع المناسب وصلاحية السكن وتكلفته المقبولة. كما جاء ذكر الحق في السكن اللائق ضمن حقوق أخري تضمن الحق في العيش بصحة و كرامة في الماده 25 من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ورغما عن توفر الأراضي الصالحة للسكن في ولاية الخرطوم ،إلا أن الخرطوم تعاني من إرتفاع أسعار الأراضي السكنية بشكل مبالغ فيه، يجعل من العسير علي محدودي الدخل إمتلاك مسكن أو قطعة أرض صالحة للسكن ،هذا مع إرتفاع قيمة إيجارات المنازل؛ وسط طلب متزايد للسكن في العاصمة جراء النزوح الجماعي من الريف بسبب الحرب والتنمية غير المتوازنة، بالاضافة للزيادة الطبيعية في عدد السكان ،كل هذه المعطيات ساهمت في تمدد ظاهرة السكن العشوائي في العاصمة وإفرازاتها السالبة علي الصحة والأمن والبيئة، مما يتطلب وضع إستراتيجية علمية لمعالجة أزمة السكن بشكل جذري قياسا علي توفر الأراضي الصالحة للسكن في ولاية الخرطوم ،وقدرتها علي إستيعاب الطلب الحالي والمتوقع مستقبلا في حال أحسنت الحكومة إدارة قضية الاسكان بشكل علمي سليم يراعي مصلحة محدودي الدخل ،ومع تقدير الجهود المبذولة من قبل صندوق الإسكان والتعمير في ولاية الخرطوم في حل مشكلة الإسكان إلا أن ماتم إنجازه لايزال دون المطلوب، مما يتطلب تخصيص ميزانيات أكبر لمعالجة مشكلة سكن محدودي الدخل ، وإعتماد خطط سكنية تقوم علي التوسع الرأسي وذلك ببناء أبراج سكنية تستوعب أعدادا أكبر من الأسر محدودة الدخل ،وتملك لهم هذه الشقق بنظام الايجار المنتهي بالتمليك. ويمكن أيجاد مساحات من الاراضي السكنية في مواقع مناسبة وقريبة من مراكز الخدمات خاصة خدمات المواصلات والاسواق داخل الولاية وتكون صالحة لخطط التوسع الرأسي لمحدودي الدخل بدلا عن المواقع النائية غير المزودة بالخدمات والأمن التي يخطط فيها صندوق الإسكان والتعمير الولائي مشاريعه ، كما يمكن دراسة إستخدام مواد وتكنولوجيا البناء الحديثه وخياراتها المتعدده،والتي بحسب دراسات علمية تساهم في خفض تكلفة البناء بنسبة 40% كما تختصر وقت التشييد لوقت قياسي،مقارنة باستخدام مواد وتقنيات البناء التقليدية المتعارف عليها محليا، مما يساهم في تقليل التكلفة الكلية فينخفض تلقائيا سعر المسكن، ويصبح في متناول محدودي الدخل.
وتبرز الحاجة لتبني نمط التوسع الرأسي ( العمودي) في التخطيط العمراني خاصة في ولاية الخرطوم ،رغما عن أن ذوق الساكن السوداني يميل الي التوسع الأفقي الذي إعتاد عليه، ذلك أن واقع الحال ومستقبله يؤكدان أن لا مفر من تبني هذا النمط في العمران؛ خاصة مع الزيادة المضطردة في تعداد السكان.كما أن التوسع الرأسي أقل تكلفة إقتصادية في إمداد الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء والصرف الصحي والنظافة،و التوسع الرأسي يساهم في توفير وحدات سكنية لعدد أكبر من السكان كلما زاد ارتفاع المبني وعدد طوابقه ،وهذه ميزة أساسية لايوفرها التوسع الأفقي، مما يساهم ذلك في خفض الطلب علي الاراضي السكنية والمنازل، وقد يقود الي انخفاض سعر الاراضي والعقارات، كما يمكن التحكم بشكل أكبر في واجهات التوسع الراسي لإعطاء ميزة جمالية للعمران.
ختاما أتمني أن تجد مشكلة الإسكان في السودان بشكل عام وفي ولاية الخرطوم علي وجه الخصوص حقها في الدراسة الفنية من قبل أهل الاختصاص من مهندسين وإقتصاديين ،وذلك لأهمية القضية وتاثيرها الاجتماعي والإقتصادي ، وأن تعقد ورش عمل ومؤتمرات لمناقشة هذه القضية المحورية ،وأن تجد التوصيات الفنية الدعم والاهتمام من قبل صناع السياسات في الأحزاب السياسية حكومة و معارضة علي حد السواء، وذلك بهدف حل مشكلة الإسكان بشكل مستدام ومطابق لشروط السكن اللائق خاصة لشريحة محدودي الدخل.

الباعة الجائلون: صراع القانوني والإنساني



 نشر بتاريخ: 10 تشرين2/نوفمبر 2018


تحظر القوانين المحلية في السودان نشاط الباعة الجائلين باعتباره نشاطا غير مرخص به، و يهدد صحة المستهلك لصعوبة رقابة صلاحية البضائع والخدمات المعروضة للبيع في الطرقات والساحات العامة؛ وعدم خضوع البائع نفسه لكشف طبي يثبت خلوه من الأمراض المعدية، وغياب إجراءات السلامة الخاصة بالمنتج أو الخدمة المعروضة للبيع، كما أن هذا النشاط الاقتصادي غير الرسمي يضر بشريحة التجار المنتظمة التي تدفع ضرائب وتتحمل تكاليف ثابتة من إيجارات للمحال التجارية والمخازن وسداد لرسوم الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء والنظافة وغيرها من الرسوم،

وتقدم نشاطا إقتصاديا منظما خاضعا لرقابة القانون وسلطته ،هذا بالإضافة إلي مايمكن أن يلحقه هذا النشاط  غير المنظم من إضرار بنظافة البيئة التي ينشط فيها،وغيرها من المهددات .

         بينما يري الباعة الجائلون أنهم ضحايا الحملات الأمنية من قبل السلطات، وأن المعالجات الأمنية ليست هي الحل ولن تكون الحل المناسب لقضيتهم ، وأن مشكلتهم تكمن في غياب إستراتيجية حكومية وأضحة للتعامل معهم لتنظيم مهنتهم من قبل السلطات أسوة بجميع المهن والنشاطات الاقتصادية الأخري، ذلك أن نشاطهم يصب في إنعاش التجارة الداخلية، وأن نشاطهم يلقي قبولا من أغلب المستهلكين لأن أسعارهم منخفضة مقارنة بأسعار التجار المنتظمين حيث لاتتضمن أسعارهم إضافة أي تكاليف ثابتة لهذا تلقي إقبالا ؛ وأن إيقاف نشاطهم في بلد يعاني من النزوح الداخلي للعاصمة والمدن الكبري بحثا عن الأمن والخدمات بسبب الحرب والتنمية غير المتوازنة يعني إزديادا في معدلات البطالة كون أن هذا النشاط الاقتصادي غير الرسمي يحصن الألاف من شر البطالة وأثارها  السالبة علي المجتمع، كما أن معظمهم لايمتلك رأس المال الكافي لتحمل تكاليف ثابتة كايجار محل أو دفع ضرائب أو تكاليف خدمات أخري ؛ وأن أرباحهم من هذا النشاط الاقتصادي بالكاد تغطي إحتياجاتهم الاساسية من مأكل وملبس ومسكن.

         ومابين القانوني والإنساني تبرز الحاجة لتنظيم هذه المهنة، وقيام نقابة خاصة بالباعة الجائلين تدير و تحمي منتسيبها، وتسعي لتطوير  أدوات عملهم وضمان سعيهم في بيئة عمل صحية لهم ولمستهلك بضائعهم ،وأن تقنن السلطات الحكومية هذا النشاط ،وتصدر قانونا منظما له؛ وتمنح مهنتهم تراخيص بشروط وضوابط ميسرة ،و رسوم سنوية مناسبة تحصل من كل بائع متجول عند تجديده الرخصة في كل عام؛ مع تخصيص أسواق اليوم الواحد دعما وتنظيما لهذا النوع من النشاط، وأن توضع خارطة بالاتفاق مع الباعة الجائلين توضح الاوقات والأسواق المسموح فيها بالنشاط؛ وأن تحدد أيضا الاوقات والاماكن المحظور فيها ممارسة هذا النشاط الاقتصادي، ولائحة الغرامات الخاصة بأي تجاوزات للقانون أو لما أتفق عليه مع من يمثل المهنة،ومن المهم أن يوازن أي قرار حكومي بين ضمان حق الباعة الجائلين في العمل ،وبين تحرير الشارع العام من تعدي هذا النشاط غير المقنن وإفرازاته السالبة.

           ختاما لابد من دراسة تجارب الدول الأخري التي تصدت لتقنين هذا النشاط الاقتصادي غير الرسمي؛ والاستفادة من التجارب الناجحة في هذا الشأن ؛كون أن هذه الظاهرة لاتقتصر علي السودان وإقليمه فقط ؛ بل تتعداه لتصبح ظاهرة عالمية تتمدد في أغلب طرقات وساحات مدن العالم ، وتتناسب طرديا حيثما وجدت نسب مرتفعة من البطالة في المجتمع  المعين وغياب للتشريعات التي تحفظ حق الجميع في العمل بمايتناسب وقدراتهم الاقتصادية.